مصرملفات وتقارير

خصخصة الصحة: كارثة تطرق أبواب المصريين وسط صفقات سرية واستحواذات مشبوهة

حين تصبح الصحة سلعة .. وتتحول المستشفيات الحكومية إلى أوراق تفاوض في صفقات استثمارية تُدار خلف الأبواب المغلقة، يُصبح من حق المواطن أن يصرخ: ماذا تبقى لنا؟

في وقت يعاني فيه ملايين المصريين من تراجع الخدمات الصحية، وارتفاع أسعار الدواء، فجّر قانون “خصخصة المنشآت الطبية” جدلاً واسعاً وصادماً، بعد الكشف عن مفاوضات سرية بين الحكومة وصناديق استثمار عربية وأجنبية للاستحواذ على مستشفيات حكومية وشركات دواء وطنية.

وفي ظل تعتيم إعلامي ورسمي، وبين مخاوف العاملين بالقطاع الصحي وصرخات المواطنين، بات السؤال الأكثر إلحاحًا: هل تُباع صحة المصريين لمن يدفع أكثر؟

موقع “أخبار الغد” يتوغل في كواليس ما يجري، وينقل آراء صادمة لأطباء، متخصصين، قانونيين، ونقابيين، إلى جانب أصوات من قلب الشارع .. جميعهم يتحدثون بصراحة مطلقة عن صفقة قد تغير وجه الرعاية الصحية في مصر إلى الأبد.

مفاوضات أجنبية وعربية تستهدف قلب القطاع الطبي المصري

وسط تكتم رسمي وتزايد الغضب الشعبي، تشهد مصر مفاوضات غير مسبوقة بين الحكومة وصناديق استثمار عربية وأجنبية،

تهدف إلى الاستحواذ على حصص استراتيجية من مستشفيات حكومية وشركات أدوية وطنية، ضمن ما يعرف بـ”قانون خصخصة المنشآت الطبية”. ويرى مختصون ومواطنون أن هذه الخطوة تفتح الباب أمام كوارث اجتماعية وصحية لا حصر لها.

بيع الصحة المصرية: من يملك القرار؟

أوضح الدكتور ياسر المنياوي، استشاري الصحة العامة، أن “القضية أخطر مما يتم تداوله، نحن لا نتحدث فقط عن استثمار،

بل عن تخلي الدولة عن دورها الرئيسي في توفير العلاج المجاني، وهو ما يمسّ جوهر العدالة الاجتماعية .. الخصخصة في هذا السياق ليست مجرد منح ترخيص، بل تمثل نقل سيطرة كاملة على أهم ما يملكه المواطن: صحته”.

أشار الدكتور ناصر مجدي، أستاذ الاقتصاد الصحي، إلى أن “التحركات الجارية للاستحواذ على المستشفيات الحكومية لا تهدف إلى تحسين الخدمة، بل إلى تحويل العلاج إلى سلعة.

حين يمتلك مستثمر أجنبي مستشفى حكوميًا، سيكون هدفه الربح وليس الشفاء. هذه كارثة ستزيد من معاناة الفقراء”.

استثمار أم استعمار صحي؟

أكدت الدكتورة إيمان عبد التواب، أن “الخصخصة تُعدّ تفريغًا متعمدًا لدور الدولة، وسابقة لم تحدث في القطاع الطبي منذ عقود.

الكارثة الأكبر أن معظم المستثمرين لا يملكون رؤية صحية بل يبحثون عن فرص للربح السريع، ما يجعل المستشفيات أدوات استثمار وليس مرافق علاج”.

قال أحمد الشاذلي، موظف بإحدي مستشفيات الصحة، إن “العاملين في القطاع يشعرون بقلق بالغ .. هل سيفرض المستثمرون رواتب جديدة؟ هل ستُمنع الأسر الفقيرة من تلقي العلاج؟ وهل سيتحول المستشفى إلى شركة ربحية؟”.

الدواء في خطر .. ومصير الشركات الوطنية غامض

أوضح الدكتور محمود العزب، مدير سابق بإحدى شركات الأدوية، أن “شركات الأدوية التي يجري التفاوض على بيعها هي العمود الفقري لتوفير الأدوية الأساسية للمواطن.

إذا دخلت هذه الشركات في يد مستثمر أجنبي، سنجد أنفسنا مستوردين حتى لدواء الأسبرين. الأمر ليس مجرد خصخصة، بل تهديد للأمن القومي الدوائي”.

أكدت المهندسة نجلاء فؤاد، الناشطة في قضايا التنمية الصحية، أن “تحويل قطاع الدواء إلى أيدي مستثمرين أجانب يفتح الباب أمام تحكم غير مسبوق في أسعار وأسواق الدواء داخل مصر، وقد نصل إلى مرحلة احتكار دوائي تهدد حياة الملايين”.

آراء الشارع: غضب ومخاوف مشروعة

قال محمد رجب، عامل في أحد المصانع: “أنا بعالج بنتي في مستشفى حكومي، لو باعوها، هاروح فين؟ هادفع منين آلاف الجنيهات؟ الدولة لازم ترجع تفكر في الناس الغلابة”.

أكدت سمية الباز، ربة منزل: “أنا مش ضد الاستثمار، بس مش في الصحة، دي حياة الناس، مش مشروع عقاري. إحنا مش بنطلب ترف، إحنا بنطلب علاج محترم لأولادنا”.

أشار عادل شوقي، سائق أجرة، إلى أن “كل حاجة بتتباع، حتى المستشفيات! يعني لو تعبت دلوقتي ومالقيتش مكان أتعالج فيه، أروح أموت؟ الدولة لازم تراجع نفسها”.

أوضحت منى فهيم، طالبة بكلية الطب: “إحنا في الكلية بنتدرب في المستشفيات الحكومية، لو خصخصوها، مش بس المرضى اللي هيتضرروا، كمان الأطباء الصغيرين مش هيلاقوا تدريب حقيقي”.

المختصون يحذرون: مستقبل مظلم للصحة العامة

أكد الدكتور عمرو عبد الرحيم، أستاذ القانون العام، أن “قانون الخصخصة الطبي يحمل في طياته ثغرات قانونية تسمح بنقل الإدارة والتشغيل والربح، بينما تتحمل الدولة المسؤوليات الباقية. هذه ثغرة كارثية قانونيًا واجتماعيًا”.

أشار الدكتور حسام الطوخي، باحث في السياسات الصحية، إلى أن “الخصخصة بهذا الشكل قد تُخرج آلاف العاملين من الخدمة، وتقلل من قدرة الدولة على التدخل في أوقات الأزمات مثل الأوبئة أو الكوارث”.

قالت الناشطة الحقوقية فريدة أحمد، المتخصصة في الشؤون الاجتماعية، إن “هذه ليست قضية اقتصادية فقط، بل تمس القيم الاجتماعية والدستورية، وخاصة مبدأ تكافؤ الفرص والحق في الرعاية الصحية”.

هل هناك بديل؟

أوضح الدكتور خالد بسيوني، خبير التخطيط الصحي، أن “البديل ليس الخصخصة العشوائية، بل الشراكة المنظمة مع القطاع الخاص، تحت رقابة صارمة من الدولة، مع ضمان بقاء خدمات العلاج المجاني قائمة دون المساس بها”.

أكد هاني عبد الله، خبير اقتصادي، أن “الاستثمار في الصحة لا يعني البيع الكامل، يمكن للدولة أن تطرح أسهمًا صغيرة دون تفريط في السيطرة، أو تلجأ لتمويل تطوير البنية التحتية الطبية بدون المساس بالملكية العامة”.

صوت نقابي واحد: لا للخصخصة

أوضح الدكتور مصطفى حسن،، أن “النقابة ستواصل الضغط لوقف هذا القانون، ونُعدّ مذكرة عاجلة لرفعها إلى البرلمان، لأن هذا القانون يهدد الأمن الصحي القومي، ويهدر سنوات من الكفاح لبناء نظام صحي عادل”.

“لا يمكن الحديث عن التقدم في ظل تدهور صحة المواطن، ولا يمكن لدولة أن تنهض بينما مستشفياتها تُعرض للبيع كأنها مصانع خاسرة أو فنادق متعثرة.”

الخصخصة ليست مجرد قانون، بل مسار استراتيجي طويل الأثر، وقد يكون بلا عودة. وفي بلد مثل مصر، حيث تشكل المستشفيات الحكومية الملاذ الوحيد للملايين، فإن تسليم زمام هذا القطاع الحساس لأطراف خارجية يحمل مخاطر تتجاوز حدود المنطق الاقتصادي.

المواطن البسيط، الذي لم يعد يجد مكانًا في طابور العلاج، يطرح سؤالاً مشروعًا: من يحميه حين يصبح الطب تجارة؟ وبين رفض المختصين وقلق الشارع،

يظل مستقبل القطاع الصحي معلقًا على قرار سياسي إما أن يصون كرامة المريض أو يدفعه إلى مصير غامض لا يعرفه إلا من خاض تجربة الألم دون قدرة على دفع الثمن.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى