محاولات تسوية مشبوهة وتراخي أمني يعرقلان العدالة في واقعة مدرسة الكرمة بالبحيرة

كشفت تقارير موثوقة عن تفاصيل صادمة في واقعة الاعتداء على الطفل ياسين داخل مدرسة الكرمة للغات في مدينة دمنهور بمحافظة البحيرة حيث تداخلت المحاولات الفردية لتسوية الأزمة خارج إطار القانون مع تقاعس أمني لافت ما أثر بشكل كبير على مسار العدالة وأدى إلى تجميد إجراءات التحقيق لعدة أشهر متواصلة دون الوصول إلى نتائج حاسمة رغم تعدد الأدلة والشهادات
أوضحت الوثائق الرسمية أن واقعة الاعتداء على الطفل ياسين م. ع. جرت داخل إحدى دورات المياه التابعة لمدرسة الكرمة في توقيت لم يتم حسمه بدقة بسبب الغموض الذي رافق مجريات التحقيق منذ بدايتها حيث لم تباشر الأجهزة الأمنية المختصة التحريات اللازمة إلا بعد مرور أكثر من 180 يومًا من تاريخ البلاغ وهو ما تسبب في إضاعة أدلة كان من الممكن أن تساهم في تحديد الجاني بدقة
أكدت تقارير النيابة العامة أن مركز شرطة دمنهور لم يقدم أي نتائج تحقيق ملموسة حتى بعد مرور ثلاثة أشهر إضافية على بدء الإجراءات ما شكل انتكاسة لجهود الكشف عن حقيقة الواقعة وفتح المجال لتدخل وسطاء خارج الجهاز القضائي عرضوا على الأسرة تسويات غير قانونية مقابل إنهاء القضية والتراجع عن استكمال مسار الشكوى الرسمي
لفتت التحقيقات إلى أن بعض الشخصيات العامة لعبت دورًا مباشرًا في محاولة تطويق الأزمة عرفيًا حيث جرى ترتيب لقاءات بين أسرة الطفل وعدد من أعضاء مجلس الشيوخ وممثلي إدارة المدرسة إلى جانب وسطاء من رجال الأعمال بهدف تقديم عروض تضمنت إعفاءات دراسية وتعويضات مالية لإقناع الأسرة بالتراجع عن اتهام المؤسسة التعليمية أو توجيه اتهام محدد لأي من العاملين فيها
صرح شهود عيان أن هذه العروض قُدمت للأسرة خلال فترات متباينة بدأت منذ يناير 2024 أي قبل بدء التحقيقات الفعلية ما يعكس وجود نية مسبقة لاحتواء الواقعة قبل أن تتخذ مسارًا جنائيًا واضحًا كما تبين أن بعض الوسطاء حاولوا تبرير تدخلهم على أساس الحرص على سمعة المدرسة ومصلحة الطالب إلا أن التحركات جاءت من خارج الأطر القانونية بالكامل
أفادت المعلومات الرسمية بأن عضو مجلس الشيوخ السيد القفاص وعضو مجلس الأمناء ر. ض. كانا من أبرز من حاولوا لعب دور الوساطة حيث عقدا جلسة مع ولي أمر الطفل واقترحا حلاً وديًا مقابل دفع تعويض مادي وإغلاق الملف القضائي وهو ما رفضته الأسرة بشكل قاطع وأصرت على استكمال الإجراءات القانونية حتى نهايتها
أشار تقرير الاستجواب الذي أجرته النيابة إلى أن أحد الوسطاء المدعو و. ا. والذي يعمل في مجال تجارة التحف والنجف قد بادر بالتواصل مع الأسرة في أكثر من مناسبة حيث عرض بشكل صريح انضمام شقيق المجني عليه للمدرسة مع وعد بإعفائه من المصروفات حتى نهاية مراحل دراسته وذلك كجزء من تسوية شاملة وهو ما اعتبرته الأسرة محاولة واضحة لشراء صمتهم
أوضحت محاضر التحقيق أن الشخص ذاته اعترف بعرضه هذه التسوية في يناير 2024 مؤكدًا أنه لم يتلق تعليمات من المدرسة بذلك بل قام بالمبادرة بشكل شخصي لاختبار موقف الأسرة وموقفها من إمكانية التسوية وقد جاءت النتائج عكس ما توقع حيث رفضت الأسرة الدخول في أي ترتيبات خارج إطار القضاء
استعرضت النيابة مواقف عدد من الشخصيات المرتبطة بالمدرسة والتي حاولت ممارسة ضغوط غير مباشرة على أسرة الطفل لإقناعهم بحذف منشورات من مواقع التواصل الاجتماعي وعدم ذكر أسماء بعينها والاكتفاء بالإشارة إلى المدرسة كمؤسسة تعليمية وذلك حفاظًا على السمعة المؤسسية للمدرسة وإبعاد المسؤولية عن أفراد محددين
أشارت الوثائق إلى أن تأخر إجراءات التحري تسبب في فقدان الكثير من الأدلة المهمة حيث امتنعت الجهات الأمنية عن الاستجابة لما لا يقل عن عشرة طلبات أرسلتها النيابة بين شهري فبراير وديسمبر 2024 وهي فترة شهدت جمودًا غير مبرر من جانب المسؤولين في مركز شرطة دمنهور وهو ما أدى إلى شعور بالغ بالإحباط لدى أسرة المجني عليه
أفاد محضر رسمي أن العقيد مصطفى الصيرفي مفتش مباحث دمنهور أكد خلال استجوابه بتاريخ 2 ديسمبر 2024 أنه لم يكن مكلفًا بالتحقيق في القضية إلا بعد استلامه مهام العمل بتاريخ 2 أغسطس 2024 وأنه بدأ التحري فور استلامه العمل غير أن الفترة السابقة شهدت تراخيًا كبيرًا من المسؤولين المعنيين ما تسبب في تعقيد المشهد وتأخير ظهور أي نتائج ملموسة
أكدت النيابة أن الغموض ما يزال يلف تفاصيل الحادث رغم مضي أكثر من عام كامل على الواقعة حيث لم تتمكن الأجهزة الأمنية من الوصول إلى نتائج حاسمة حول هوية الجاني خاصة مع عدم قدرة الطفل على التعرف على المعتدي بشكل واضح بسبب الصدمة النفسية التي تعرض لها جراء الواقعة
ذكرت التحقيقات أن المتهم المدعو صبري ك. ج. ا.، استُدعي للتحقيق أكثر من عشر مرات على مدار العام غير أنه لم يمثل أمام النيابة إلا في 18 ديسمبر 2024 حيث أوضح أن تأخره كان بسبب خضوعه لعملية قلب مفتوح تسببت في تعذر حضوره خلال الشهور السابقة دون أن يتمكن المحققون من إثبات أي صلة مباشرة له بالحادثة حتى الآن
أفادت النيابة العامة بأن الأم تقدمت في يناير 2025 بتظلم رسمي إلى النائب العام بعد صدور قرار الحفظ في ديسمبر 2024 مطالبة بإعادة فتح التحقيقات ومرفقة أسماء شهود جدد بينهم عضو بمجلس الشيوخ وآخرون شاركوا في محاولات التسوية وهو ما فتح الباب أمام مرحلة جديدة من التحقيقات في ظل ثبات موقف الأسرة على استكمال المشوار القانوني حتى نهايته
كشفت التحقيقات أن من بين العروض التي تلقتها الأسرة اتفاقات غير موثقة عرضها وسطاء يتضمن إعفاءات دراسية ومبالغ مالية وتمرير شكاوى ضد أفراد آخرين لإبعاد التهمة عن شخصيات محددة في المدرسة وهو ما رفضته الأسرة معتبرة أن تلك العروض تشكل تهديدًا مباشرًا لمسار العدالة
بينت المعطيات أن البيئة المحيطة بالواقعة كانت غير مساعدة على كشف الحقيقة بسبب التأخر الأمني والضغوط الاجتماعية وغياب المتابعة الفعالة من المؤسسات الرقابية المختصة ما أدى إلى إبطاء المسار الجنائي بصورة أضرت بمصلحة الطفل المجني عليه وأثرت سلبًا على شعور الأسرة بالعدالة
رجحت تحليلات قانونية أن ضعف أداء جهات التحقيق في مراحل مبكرة من الواقعة وغياب التنسيق بين الأجهزة المعنية وتعدد التدخلات من أطراف غير رسمية كلها عوامل ساهمت في تعقيد الملف وإطالة أمد التحقيقات بشكل غير مبرر ما يتطلب مراجعة شاملة للإجراءات المتبعة في مثل هذه القضايا الحساسة خاصة تلك التي تمس حقوق الطفل وسلامته الجسدية والنفسية
طالبت الأسرة في ختام إفاداتها أمام النيابة بسرعة البت في القضية وإحالة الملف إلى القضاء المختص للبت فيه دون أي تأخير إضافي وأكدت تمسكها الكامل بكافة حقوقها القانونية ورفضها المطلق لأي محاولات للضغط أو المساومة خارج الإطار الرسمي