
حين تتحرك الدبابات بلا غطاء جوي، وتصمت البنادق بينما تعلو الأصوات … اعلم أن الأرض تُباع لا تُحرر.
في سيناء اليوم، لا حرب حقيقية ولا سلام شريف.
هناك صفقة قذرة تُبرم فوق الرمال، بين من خان الأرض ومن سرقها.
اقرأ القصة الكاملة لكيف تواطأ السيسي ونتنياهو على خيانة سيناء…
تحت ستار حربٍ مفتعلة وشعارات وطنية كاذبة.
في تطور يرقى إلى مستوى الفضيحة الوطنية، تكشّفت خيوط مؤامرة خطيرة تشير إلى أن رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعزفان معًا على وتر تصعيد عسكري وهمي بين البلدين.
الهدف من هذه اللعبة القذرة هو إتاحة ذريعة لاحتلال إسرائيلي لأجزاء من أرض سيناء الغالية تحت ستار “الدفاع عن الحدود”، تمهيدًا لاقتطاع منطقة عازلة في عمق سيناء يُرحَّل إليها الفلسطينيون المهجَّرون من غزة. كل ذلك يتم بتواطؤ خلف الكواليس من جانب السيسي، الذي سيتظاهر بالعجز أمام المخطط الكارثي رغم كونه الشريك الأساسي فيه.
تصعيد مفتعل وتحرّكات عسكرية مريبة
التوتر العسكري الحالي على الحدود المصرية الإسرائيلية مصطنع بعناية. فخلال الأسابيع الأخيرة، دفعت القاهرة بحشود من الدبابات الثقيلة إلى شمال سيناء قرب الحدود مع غزة وإسرائيل، في خطوة غير مسبوقة منذ معاهدة كامب ديفيد.
وسائل إعلام عبرية كشفت أن عدد الدبابات المصرية المنتشرة تجاوز الحدّ المسموح به وفق اتفاقية السلام لعام 1979 ، ما دفع تل أبيب إلى توجيه تحذير رسمي واعتبار التحركات انتهاكًا خطيرًا للمعاهدة .
من حيث الظاهر، يوحي المشهد بأن مصر تستعد لمواجهة عسكرية دفاعًا عن أرضها. لكن التفاصيل التقنية للتحركات تفضح أنها مجرد استعراض تمثيلي: دبابات بلا أي غطاء جوي أو دفاع جوي يحميها.
نشر دبابات ثقيلة بدون مظلة من الطيران الحربي أو صواريخ الدفاع الجوي يعني أنها ستكون لقمة سائغة لطائرات الاحتلال المسيرة والمقاتلة في حال اندلاع مواجهة .
أي قائد عسكري يدرك أن هذا الانتشار لا منطق عسكريًا له إذا كانت القاهرة جادّة فعلاً في القتال – إلا إذا كان الهدف تقديم مشهد التصعيد وليس خوضه حقيقة.
الأغرب من ذلك، أن تمركز الدبابات المصرية جاء في نطاق ضيق قرب معبر رفح وعلى الحدود مع قطاع غزة تحديدًا، بينما امتداد الحدود الطويل مع إسرائيل لم يحظَ بأي تعزيز مماثل . هذه المفارقة تثير تساؤلًا بديهيًا: من الذي تحاصره هذه الدبابات فعليًا؟
هل تحاصر العدو الإسرائيلي كما يُفترض، أم تطوّق حدود غزة من الجانب المصري؟
إذا كان السيسي جادًا في “التصعيد” ضد جيش الاحتلال، فلماذا ترك معظم حدودنا مع إسرائيل خاوية بلا تأمين مكافئ، فيما حشد قواته قرب غزة فقط؟
المنطق العسكري يقول إن من يستعد لحرب حقيقية ينشر دفاعاته على كامل الجبهة، لا أن يكدّس المدرعات في زاوية محدودة. هذا التناقض الصارخ يُضعف رواية “الدوافع الوطنية” للتحركات المصرية، ويرجح أنها خطوة محسوبة لخدمة سيناريو آخر مرسوم سلفًا.
ذريعة كامب ديفيد والمناوشات المخطط لها
مع نشر القوات المصرية بهذا الشكل الاستفزازي (والضعيف في آن واحد)، أصبح خرق معاهدة كامب ديفيد مسألة وقت. بالفعل، لم تتأخر إسرائيل في اتهام القاهرة بانتھاك بنود الاتفاقية الأمنية التي تحظر وجود أسلحة ثقيلة في مناطق معينة من سيناء .
التصريحات الإسرائيلية الأخيرة على لسان مسؤولين كبار تؤكد ذلك: سفير إسرائيل في واشنطن يتسئيل ليتر وصف حشد القوات المصرية بأنه “انتهاك خطير لاتفاق السلام ولا يمكن تحمله” .
هذا التصعيد الكلامي ليس إلا تمهيدًا مدروسًا للخطوة التالية في الخطة. فمن الواضح أن تل أبيب تنتظر شرارة محدودة على الحدود – مناوشة مفتعلة أو حادث أمني مدبّر – لتعلن على إثره أن مصر خرقت فعليًا اتفاقية السلام وهددت أمن إسرائيل.
وقد يحدث ذلك عبر تبادل إطلاق نار محدود أو حادث عابر يتم تضخيمه، ليبدو وكأن مواجهة حقيقية اندلعت. عندها ستكون الفرصة سانحة لنتنياهو كي يعلن أمام العالم أن يد إسرائيل مُطلقة بعد انهيار التزامات كامب ديفيد بسبب القاهرة.
تحت هذه الذريعة “القانونية”، ستسارع إسرائيل إلى تبرير تدخلها العسكري المباشر “لدفع الخطر عن حدودها”. سيظهر نتنياهو وحكومته وكأنهم يتصرفون دفاعيًا لا هجوميًا: “اضطررنا للتحرك لأن الجيش المصري هدد أمننا بدباباته خلافًا للمعاهدة”. وهكذا، وبدون إعلان حرب رسمي شامل، يتم تمرير عدوان عسكري محدود داخل الأراضي المصرية.
ستكون الاشتباكات حينها سريعة ومدروسة لغاية محددة، وليست حربًا شاملة. والمرجح أن القيادة في القاهرة ستتجنب أي مواجهة واسعة؛ فالسيسي الذي دفع بالجيش إلى هذا الوضع لن يصدر أوامر بالتصدي الجاد للقوات الإسرائيلية المتوغلة. ربما يكتفي النظام المصري بالاحتجاج الدبلوماسي والإعلامي، متظاهرًا بالعجز أمام التفوق الإسرائيلي الكاسح جوًا وبحرًا.
وهنا بالضبط ينجح المخطط: مواجهة عابرة ومحدودة تتيح للاحتلال تنفيذ أهدافه ثم التوقف، فيما يقف النظام المصري موقف المتفرج الذي “لا حيلة له” بعد أن ورّط جيشه في فخ استراتيجي.
المنطقة العازلة: الهدف الخفي في عمق سيناء
الغاية الحقيقية وراء هذا التصعيد المسرحي تتكشف في سيناء. فبعد افتعال الأزمة وكسر قيود كامب ديفيد، ستسعى إسرائيل إلى فرض أمر واقع جديد على الأرض: احتلال “منطقة عازلة” داخل الأراضي المصرية بمحاذاة الحدود مع قطاع غزة وربما أبعد منها عدة كيلومترات. هذه المنطقة المخططة ستكون بمثابة شريط أمني معزول تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة أو غير المباشرة، يُمنع على الجيش المصري دخوله مجددًا.
أي أنها عمليًا اقتطاع لأرض مصرية ذات سيادة بحجة ضمان أمن إسرائيل. لقد لمح نتنياهو في الماضي إلى سيناريوهات شبيهة على جبهات أخرى، حين تحدث عن إبقاء قواته في مناطق عازلة داخل دول الجوار “طالما اقتضت الضرورة” لحماية أمن إسرائيل . الآن يطبق المنطق نفسه على سيناء بمباركة ضمنية من حاكم مصر.
هذه المنطقة العازلة لن تكون مجرد فراغ أمني، بل ستُستغل لغرض أخطر: توطين الفلسطينيين المهجَّرين من غزة فيها قسرًا. فإسرائيل التي تشن حرب إبادة في قطاع غزة منذ أشهر دفعت مئات الآلاف من المدنيين للنزوح جنوبًا نحو الحدود مع مصر. وقد كشفت صحف عبرية خططًا صادمة لـمحو مدينة رفح الفلسطينية بالكامل وضمّها إلى منطقة عازلة جديدة ، حيث لا يُسمح بعودة السكان ويتم هدم كل المباني .
هذه الخطط المعلنة تعني عمليًا أن إسرائيل تريد قطع غزة تمامًا عن مصر وتحويل جزء كبير من جنوب القطاع إلى منطقة خاوية . لكن أين سيذهب عشرات أو مئات الآلاف من أهالي رفح وبقية جنوب غزة؟
الجواب الخبيث: إلى سيناء.
المخطط الإسرائيلي – الذي يبدو أن السيسي شريك فيه – يقوم على فتح ثغرة “إنسانية” باتجاه الأراضي المصرية بعد احتلال المنطقة العازلة. سيُدفع الفلسطينيون المُهجّرون دفعًا إلى الدخول إليها والاستقرار مؤقتًا في مخيمات تحت إشراف دولي أو مصري، بحجة حمايتهم من القتال. وهكذا تتحقق أسوأ كوابيس الشعبين المصري والفلسطيني: تفريغ جزء من غزة إلى داخل سيناء.
من المهم التذكير أن السيسي نفسه صرّح علنًا بأن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء خط أحمر لن يسمح به، واعتبره تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري يمكن أن يفجّر حربًا . لكن المؤشرات على الأرض تناقض تمامًا هذه التصريحات.
فكل ما يفعله نظامه حاليًا يسهّل عمليًا تنفيذ ذلك السيناريو بدلاً من منعه. لقد سمح منذ بداية حرب غزة بإقامة مناطق إيواء ومخيمات مؤقتة قرب معبر رفح لاستقبال الجرحى والنازحين بشكل محدود، كما عزز جدران عازلة وحواجز أمنية داخل شمال سيناء .
ظاهريًا كان الهدف منع التسلل، لكن النتيجة الفعلية هي تهيئة سيناء لاستقبال أعداد أكبر عند اللزوم. والآن مع هذا التصعيد الوهمي، سيصبح تهجير الفلسطينيين “أمرًا واقعًا” تفرضه المعركة بدل أن يكون قرارًا مصريًا سياديًا. إن المنطقة العازلة داخل سيناء التي يخطط لها الاحتلال ستتحول بسرعة إلى مخيم تهجير جماعي للفلسطينيين المبعدين عن ديارهم في غزة.
إسرائيل ستدّعي أنها لم تخلق الأزمة بل مصر “هي التي خرقت الاتفاق واضطرّتنا” وأنها فقط تؤمّن حدودها وتتعامل مع أزمة إنسانية نتجت عن الحرب. وفي النهاية، تربح إسرائيل على جميع الجبهات: تتخلص من كتلة سكانية فلسطينية من غزة بوضعها في سيناء، وتضمن حدودًا آمنة بعمق داخل مصر، بينما يظهر السيسي بمظهر المتعاون “الضعيف” الذي تنازل عمليًا عن أرضه لحليف أمره الواقع.
تواطؤ السيسي… خيانة بحجة “العجز”
الدور الذي يلعبه عبد الفتاح السيسي في هذه الخطة المشؤومة هو دور المتواطئ الخفي الذي يسهل المهمة للعدو ثم يتظاهر بالبراءة. فالسيسي منذ وصوله للسلطة رهن إرادة مصر وسيادتها بتحالفات مشبوهة مع إسرائيل والقوى الداعمة لها.
التعاون الأمني بين نظامه وجيش الاحتلال في سيناء بلغ مستويات غير مسبوقة طيلة السنوات الماضية بإقراره الشخصي ، حيث سمح للطيران الإسرائيلي بتنفيذ ضربات داخل سيناء بدعوى محاربة تنظيمات إرهابية.
هذا التنسيق الأمني الخفي يؤكد أن النظام المصري الحالي لا يرى في إسرائيل عدواً، بل حليفًا وشريكًا استراتيجيًا من وراء الستار. ومن هذا المنطلق، ليس مستغربًا أن ينخرط السيسي في مؤامرة بهذا الحجم ضد أمن بلاده إذا كانت سترضي تل أبيب وتحافظ له على دعمها ودعم واشنطن لبقائه في الحكم.
إن مشاهد التصعيد التي يصنعها السيسي اليوم على الحدود ما هي إلا مسرحية سياسية هدفها تحقيق مكاسب مشتركة له ولنتنياهو على حساب مصر وفلسطين. نتنياهو يُنقذ نفسه داخليًا عبر خلق عدو خارجي مزعوم وإظهار “حنكته” في تأمين إسرائيل، والسيسي يُلهي الشعب المصري عما يجري في الداخل ويصوّر نفسه كبطل وطني يقف في وجه مؤامرة التهجير – بينما هو في الحقيقة عرّابها من وراء الستار. وحين تنفذ إسرائيل مخططها وتحتل المنطقة العازلة، سيذرف السيسي دموع التماسيح مدعيًا أن “القوى الكبرى تجاوزتنا” وأنه “بذل ما في وسعه” دون جدوى. سيتوارى خلف خطاب الاستضعاف لتبرير تفريطه بأرض سيناء وكرامة الجيش المصري.
لكن الحقائق الدامغة تشير بأصابع الاتهام إليه أولًا وأخيرًا: فبدون تواطؤه المسبق وتسهيلاته العسكرية، ما كان لإسرائيل أن تجرؤ على هذه المقامرة الخطيرة. سيسجّل التاريخ أن التفريط بسيناء تم هذه المرة من داخل مصر نفسها وبإمضاء حاكمها، لا بقوة جيش غازٍ فحسب.
تحذير: سيناء على المحك
أجراس الخطر تدقّ بقوة في سماء الوطن. نحن أمام مخطط كارثي إذا لم يتم إحباطه فورًا، فسيفيق المصريون ذات يوم ليجدوا جزءًا عزيزًا من سيناء قد ضاع إلى الأبد تحت الاحتلال الإسرائيلي المباشر أو غير المباشر.
هذه الأرض التي رويت بدماء آبائنا وأجدادنا في معارك التحرير الكبرى يتم التفريط بها اليوم على طاولة المؤامرات بين السيسي ونتنياهو. إن سيناء ليست للبيع ولا للتقسيم، وأي تهاون في الدفاع عنها أو تبرير التفريط بشبر واحد منها هو خيانة عظمى لا تُغتفر.
على الشرفاء في الجيش المصري وأجهزة الدولة – إن كان فيهم بقية باقية – أن يتحركوا الآن وبحزم لوقف هذا المخطط قبل فوات الأوان. كما أن الشعب المصري وقواه الحية مطالبون باليقظة والتكاتف للضغط من أجل كشف الحقيقة ومحاسبة المتورط كائنًا من كان. فلا يجوز أن نخدع بشعارات زائفة بينما تُسلب أرضنا من تحت أقدامنا بتنسيق خفي بين من يفترض أنه حامي الوطن ومن يفترض أنه عدو تاريخي.
في هذه اللحظة الحرجة، الصمت خيانة والحياد تواطؤ. سيناء أمانة في أعناق المصريين جميعًا. إن وقف المخطط وإفشاله هو واجب وطني وقومي لا يحتمل التأجيل. اليوم غزة وغدًا سيناء – هكذا يقايض المتآمرون على أوطاننا ومستقبلنا.
إذا لم نتحرك الآن، سنخسر سيناء للأبد. والفاتورة هذه المرة لن يدفعها إلا نحن وأجيالنا القادمة. اللهم قد بلغنا، اللهم فاشهد.