الحرب الإسرائيلية تؤدي إلى ارتفاع حاد في حالات بتر الأطراف في غزة

تزايدت حالات بتر الأطراف في القطاع نتيجة الإبادة الإسرائيلية المستمرة، حيث سجلت مراكز الرعاية الصحية حوالي 4700 حالة بتر جديدة، واستقبلنا نحو 600 حالة منذ بداية العدوان.
الفلسطيني رائد أبو الكاس ونجله محمود يحلمان بالسفر إلى الخارج لتركيب أطراف صناعية متطورة تمكنهما من استعادة جزء من حياتهما الطبيعية
الفلسطيني رائد أبو الكاس ونجله محمود يحلمان بالسفر إلى الخارج لتركيب أطراف صناعية متطورة تمكنهما من استعادة جزء من حياتهما الطبيعية مسؤول الإعلام والعلاقات العامة في مركز الأطراف الصناعية والشلل بغزة، حسني مهنا
تشير التقارير إلى أن 20% من مبتوري الأطراف هم من الأطفال و48% من النساء، ما يعكس الآثار البشرية القاسية لهذه الحرب. تضاعفت أعداد حالات البتر بسبب الاستخدام المكثف للأسلحة المتفجرة والاستهداف المباشر للمدنيين، مما يضاعف من معاناة السكان.
المركز الصحي فعال في تقديم الدعم رغم الظروف الصعبة التي يمر بها، حيث يعاني من نقص حاد في المواد الخام الأساسية لتصنيع الأطراف الصناعية. نعمل جاهدين رغم الضغط الشديد والإمكانيات المحدودة لتلبية احتياجات مبتوري الأطراف، ومع استمرار الحصار الخانق على القطاع، تتزايد حاجتنا لمعدات طبية وأدوات ضرورية لضمان توفير الأطراف الصناعية لهؤلاء الأفراد الذين فقدوا جزءًا من حياتهم نتيجة العنف المستمر.
وفي تصريحات خاصة، قال أحد الأطباء المتخصصين: “إن الوضع في غزة مأساوي، وكل يوم نرى المزيد من الأطفال والنساء الذين يحتاجون إلى الأطراف الصناعية. نحن نبذل قصارى جهدنا لمساعدتهم، لكننا بحاجة ماسة إلى دعم إضافي لمواجهة هذا التحدي.”
ومن بين هؤلاء، الفلسطيني رائد أبو الكاس، الذي يجلس داخل مركز الأطراف الصناعية والشلل في مدينة غزة، بانتظار دوره في تلقي خدمة العلاج الطبيعي والتأهيل الجسدي لاستخدام الطرف الصناعي، بعد أن بترت قدمه في قصف إسرائيلي أثناء ممارسة عمله في تشغيل آبار المياه.
وتجسد قصة أبو الكاس، أحد موظفي بلدية غزة، حجم المأساة الإنسانية التي خلفتها الحرب الإسرائيلية، فقد بترت قدمه اليمنى واستشهد اثنان من زملائه. وبينما كان يحاول الجيران وأبناؤه إسعافه وسط الدمار والدخان، لاحقتهم الطائرات من جديد، فقتل أحد أبنائه وأصيب الآخر بإصابات بليغة أدت إلى بتر قدمه لاحقًا.
يسترجع رائد ذكريات ذلك اليوم بصوت يختنق بالألم: “كنت أفتح محابس المياه للمواطنين، وكنت أظن أن عملي في خدمة الناس سيحميني، لكن الاحتلال لم يترك لنا أي أمان. استهدفونا ونحن عُزّل، بترت قدمي أمام عيني، واستشهد ابني، وتعرض محمود لإصابة غيرت حياته للأبد”.
أما محمود، الذي كان يحلم بأن يصبح لاعب كرة قدم محترفًا في صفوف ناشئي نادي الشجاعية، فيروي قصته لمراسل الأناضول، بصوت حزين: “كنت ألعب كرة القدم يوميًا، كان حلمي أن أرتدي قميص النادي وأسعد عائلتي، لكن الاحتلال دمر حلمي وبتر قدمي”.
وأضاف: “الآن أجلس على كرسي متحرك وأحلم فقط أن أركب طرفًا صناعيًا متطورًا يساعدني على الوقوف مرة أخرى، حتى أعين والدي الذي بترت قدمه”.
خلال الأشهر الماضية، خضع رائد ومحمود لعدد كبير من العمليات الجراحية داخل مستشفى المعمداني، في ظل ظروف طبية صعبة ونقص حاد في الإمكانيات، وتم تركيب أطراف صناعية لهما عبر مركز الأطراف الصناعية، إلا أن نقص المعدات والكوادر الفنية يؤثر على عمل المركز.
اليوم، يقضي الأب والابن عدة ساعات يوميًا داخل مركز الأطراف، يتدربان على استخدام أطرافهما الصناعية، ويتلقيان جلسات التأهيل والتدريب، ووسط هذه الرحلة الشاقة، يحدوهما حلم واحد: السفر إلى الخارج لتركيب أطراف صناعية متطورة تمكنهما من استعادة جزء من حياتهما الطبيعية.
وبهذا الخصوص، قال رائد، وهو ينظر إلى نجله محمود بعينين حزينتين: “لم يتبق لي من أبنائي إلا محمود، وزوجتي التي تتحمل العبء الأكبر في رعايتنا، وحلمنا أن نركب أطرافًا خفيفة نتمكن من خلالها أن نساعد بعضنا البعض ونعيش بكرامة”.
ويقاطعه محمود قائلا: “أحلم بالسفر، أريد أن أركض مجددًا، أن أعود للعب الكرة ولو بشكل بسيط مع أصدقائي (..)، الاحتلال دمر أحلامي، لكن لم يدمر إيماني بأننا سنعود للحياة”.
تضاعف أعداد مبتوري الأطراف في غزة بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر
تواجه غزة أزمة إنسانية متفاقمة بعد تصاعد عدد حالات البتر نتيجة الإبادة الإسرائيلية، حيث تم تسجيل 4700 حالة بتر منذ بداية العدوان في 7 أكتوبر 2023، مما يعكس التأثير المدمر لهذا الصراع على المدنيين.
تحت إشراف وزارة الصحة الفلسطينية وبالشراكة مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومركز الأطراف الصناعية والشلل التابع لبلدية غزة، يتم توثيق حالات البتر في جميع محافظات القطاع. وأشار حسني مهنا، مسئول الإعلام والعلاقات العامة في المركز، إلى أن أعداد المصابين تتزايد بشكل كبير، مشددًا على أن هذا التضخم في الحالات هو نتيجة الاستخدام الكثيف للأسلحة المتفجرة والاستهداف المباشر للمدنيين.
قال مهنا: “إنّ مركز الأطراف الصناعية استقبل نحو 600 حالة من مبتوري الأطراف منذ بداية العدوان الإسرائيلي، ويتم متابعتهم دوريًا عبر الأخصائيين والطواقم الفنية”. وأوضح أن المركز تمكن من تركيب أطراف صناعية لنحو 100 مصاب واستطاع تسليم عشرات الأجهزة التعويضية والكراسي المتحركة للمحتاجين.
وأكد مهنا على التزايد اليومي في الطلب على خدمات المركز، محذرًا من أنه في حال استمرار العدوان، فإن عدد الحالات سيتجاوز حد الكارثة، حيث أن 48 بالمائة من حالات البتر الجديدة هي لسيدات و20 بالمائة لأطفال، مما يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة.
.
نقص حاد في المواد الخام يعيق تقديم الخدمات للمصابين في مركز الأطراف الصناعية
يعاني مركز الأطراف الصناعية والشلل من نقص حاد في المواد الخام والأجهزة الطبية، مما يؤثر سلبًا على قدرة الطواقم الطبية على تقديم خدماتها للمصابين خلال الأوقات الحرجة.
تدور الأوضاع داخل المركز حول ضغط العمل المتزايد، حيث يُعالج حاليًا نحو 320 حالة تحتاج إلى العلاج الطبيعي والتأهيلي. ووفقًا لما أشار إليه مسؤول الإعلام والعلاقات العامة، فإن نقص المواد الأساسية والمعدات يشكل عائقًا كبيرًا في ظل الأعداد المتزايدة من المصابين. تعمل الطواقم تحت ظروف صعبة وبإمكانيات محدودة، حيث تصارع يوميًا لتلبية احتياجات المصابين، مما يستدعي الحاجة الماسة لمضاعفة الكوادر البشرية.
وأضاف مهنا، “إن الأعداد المتزايدة من المصابين تتطلب استجابة عاجلة من الجهات المعنية، لكن نقص الموارد يواصل تعقيد الأمور. نحتاج إلى دعم عاجل لتوفير المعدات الطبية والمواد الخام الضرورية لضمان استمرار الخدمات.”
منذ مطلع مارس، تكثف إسرائيل من إغلاق المعابر المؤدية إلى قطاع غزة، مما حال دون إدخال المساعدات الإنسانية ويؤثر بشكل مباشر على عمل المركز. تداعيات الحصار تعكس حجم الكارثة الإنسانية، حيث تمثل هذه الأوقات تحديًا كبيرًا لتوفير الرعاية اللازمة للمصابين.
قال مهنا، “الأوضاع تتطلب تضامنًا دوليًا فعّالًا لدعمنا في هذه الأوقات الحرجة ولمساعدة المصابين الذين هم في أمس الحاجة إلى العناية والرعاية.”