شباك نور

الدكتور أيمن نور يكتب: ملك .. كفن مؤجل

في ركن معتم من مشفى ينتحب الضوء فيه خجلا، تخوض ملك صالحية، ذات الأحد عشر عاما، معركة العمر بأطراف ملفوفة بالبياض، وصمت أثقل من سواد الألم.

وجعها يسبق عمرها بأعوام، فقد سقط والدها وشقيقاها تحت نيران القذائف الغادرة، وتركتها الحرب وحيدة بين أنين الجدران وذكريات لم تكتمل.

لم تعد ملك تطارد الفراشات كأقرانها، بل تركض خلف ظلها الهارب فوق سرير بارد، تتلمس بحواسها الباقية حقها في الحياة التي سُرقت منها فجأة.

بين الضمادات الثقيلة والجراح المفتوحة، تلوّح ملك ببقايا طفولة إلى عالم صامت، كأنها تقول: “أنقذوا الباقي من هذا القلب، قبل أن يخونه النبض.”

كل قطرة دم تجري في عروقها الصغيرة تكتب رسالة إلى ضمير هذا العالم: هل بقي للإنسانية مكان بين هذا الركام؟

لم تطلب ملك سوى فرصة بسيطة.. أن تعود قدماها للخطو نحو الضوء، أن تعود يداها لاحتضان دميتها، أن تعود حياتها لتبتسم بدلا من أن تنزف.

كل لحظة تأخير، كل ثانية صمت، تعني خطوة أقرب نحو فقدان أطرافها.. أو فقدان حياتها التي تتشبث بها كزهرة في مهب العاصفة.

إنقاذ ملك ليس مجرد إنقاذ جسد صغير، بل إنقاذ براءة كاملة، إنقاذ حلم بالركض نحو الغد، إنقاذ ضحكة كان يمكن أن تملأ العالم نورا لولا هذا الحصار الأسود.

يا أصحاب القلوب الرحيمة، يا كل الضمائر الحية، يا كل الدول والمنظمات التي تعلن تعاطفها مع ضحايا العدوان، آن الأوان أن يتحول التعاطف إلى فعل، أن يتحول النداء إلى جسر حياة لإنقاذ ملك قبل أن يبتلعها الصمت الأبدي.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى