مقالات وآراء

نادر فتوح يكتب: نور وطنطاوي.. حين تصبح المنافسة جريمة.. يحيا الأمل والتغيير

في دولٍ اعتادت أن تختزل الوطن في شخص، والحق في يد، تصبح المعارضة فعلًا متمردًا، والمنافسة مغامرة غير مأمونة العواقب.
وفي قلب هذه المعادلة، يبدو أي معارض للسلطة كمن يسير على حافة هاوية، لا يحميه قانون ولا تسنده مؤسسة.

يصبح كل من يحلم بالتغيير متهمًا حتى قبل أن ينطق بكلمة،
وكل من يفكر بالمنافسة عدوًا ينبغي تحطيمه، لا خصمًا تُحترم إرادته
.

ولأن الحكاية ليست وليدة اللحظة، يحضر إلى الذاكرة مشهد قديم متجدد، بطله كان المحامي المصري الشاب أيمن نور.

في عام 2005، وقف نور متحديًا الرئيس الأسبق حسني مبارك، مترشحًا للانتخابات الرئاسية في أجواء كانت توصف حينها بأنها بداية الانفتاح السياسي، في انتخاباتٍ وصفت بأنها أول انتخابات تعددية في مصر.

لكن الرغبة في التغيير السلمي اصطدمت بجدار صلب؛ فما إن أعلنت نتائج الانتخابات، حتى وجدت السلطة أن مجرد فكرة المنافسة لا تغتفر.

اعتُقل نور، وحُكم عليه بالسجن بتهم واهية، في رسالة صريحة لكل من يفكر أن يسير على ذات الدرب، حيث أكدت إجراءات الدولة “أن باب السياسة قد يُفتح شكليًا، لكنه يُغلق فعليًا بالأصفاد”.

واليوم، بعد نحو عقدين، تتكرر القصة مع اسم جديد.. أحمد طنطاوي، البرلماني السابق، الذي لم يحمل سلاحًا، بل حمل مشروعًا للتغيير عبر صناديق الاقتراع.

حاول طنطاوي أن يخوض غمار الانتخابات الرئاسية في وجه عبد الفتاح السيسي، متسلحًا بالكلمة وبشباب حلموا بالتغيي ، لا أكثر.

لكن الدولة، قررت أن تقطع الطريق مبكرًا؛ فاتهمته بتزوير التوكيلات، وأحالته إلى المحاكمة، ليقضي عامًا خلف القضبان.

كان من المفترض أن يغادر السجن بنهاية مايو المقبل، لولا أن عجلة التدوير بدأت بالدوران، حيث فُتح ضده تحقيق جديد في قضيتين تتعلقان بـ”نشر أخبار كاذبة” و”التحريض على التظاهر”، في سيناريو بات مكررًا لمن اختاروا أن يحلموا بالتغيير.

التدوير.. هذا الاختراع القاتم الذي لا تعرفه نصوص القانون، بات أداة فعالة لكسر إرادة المعارضين، وتجديد حبسهم إلى ما لا نهاية.

ورغم إخلاء سبيل أحمد طنطاوي، إلا أن تلك القضايا ستبقى حائلة دون ممارسة أي حق سياسي، أو أي منافسة لاحقة، أو حتى التفكير في المنافسة.

ليس طنطاوي وحده من وقع في هذا الفخ، بل كثيرون قبله ذاقوا مرارته، ضمن محاولة منظمة لإفراغ السياسة من أي روح حية.

القضية تتجاوز الأشخاص، لتضرب في صميم الفكرة ذاتها “كل من يحاول المنافسة، فسيكون هذا هو مصيره؛ فالتهم جاهزة، والقضايا في انتظار كل من يفكر أو يحاول.”

حيث ترى الأنظمة الاستبدادية في الحاكم ظل الله في الأرض، لا مجال للمنافسة ولا قبول بفكرة التغيير السلمي، فالمعارضة تُعتبر مشروعًا جنائيًا، والمنافسة جريمة تستوجب العقاب.

وهكذا تحاول الأنظمة غلق الباب أمام الأمل، وتبقى الرسالة “أن الحاكم لا يُنافس.. ولا يُسأل.. ولا يُحاسب.”

ورغم محاولات إجهاض كل محاولات التغيير، إلا أن تلك المحاولات ستبقى بذورًا تبعث بالأمل، وترسل أشعة التغيير، في قلب الأجيال الجديدة.

وربما سيأتي يوم، تُروى فيه هذه القصص لا باعتبارها حكايات هزيمة، بل باعتبارها بذورًا لغدٍ لا تحكمه العصا، ولا تصنعه القضبان، ولا يفت في عضده الاستبداد.

ورغم ظلام السجون، ورغم محاولات كسر العزائم، يبقى الأمل يتوهج بين الركام.

الأمل الذي رفعه أيمن نور قبل عقدين من الزمان، حين اختار شعار “الأمل والتغيير”، فلم تخمده سنوات السجن ولا حملات التشويه.

والأمل الذي حمله أحمد طنطاوي يوم صرخ في وجوه اليأس “يحيا الأمل”، رغم القضبان والأسلاك الشائكة، وقد لاقى في سبيل الحلم محاولات لكسر العزيمة.

تؤكد هذه المواقف أن الأنظمة قد تسجن الأجساد، وتلاحق الأحلام، لكنها تبقى عاجزة عن قتل الفكرة حين تواجه من يؤمن بها ويعمل من أجلها، لأن الأمل، حين يسكن قلب أمة، لا يموت بالسجن، ولا يُعدم بالمشانق.

هكذا علمتنا المواقف “أن التغيير الحقيقي لا يبدأ من القصور، بل من زنزانة ضيقة يؤمن صاحبها أن الغد، مهما طال الطريق، لا بد أن يأتي.”

“يحيا الأمل”.. ويحيا كل من يؤمن أن الحرية حق، وأن الحلم لا يُقهر، وكل من يمارس حقه في “الأمل والتغيير”.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى