
لم تكن المائة يوم الأولى من الولاية الثانية لدونالد ترامب مجرد أزمة عابرة في سجل الديمقراطية الأمريكية، بل كانت زلزالًا هزّ العالم كله، وتردد صداه المؤلم في شوارع واشنطن كما في ساحات العواصم العربية.
بين 20 يناير و29 أبريل 2025، انطلقت الإدارة الأمريكية بسلسلة قرارات وصفها المراقبون بأنها الأقرب إلى الانقلاب الأبيض، حيث تفككت مؤسسات الدولة واحدة تلو الأخرى تحت وطأة مراسيم رئاسية عاصفة تجاوزت حدود القانون والدستور.
في قلب هذه العاصفة، بدا المشهد العربي، والمصري تحديدًا، أكثر قلقًا. فحين تُصاب القوة الكبرى في العالم بالاضطراب، ترتجّ معها توازنات الإقليم وتتشظى آمال شعوبه. والأخطر، أن الفوضى التي فجّرها ترامب في الداخل الأمريكي انعكست على الشرق الأوسط، حيث زادت صفقات السلاح، وتصاعدت الضغوط على دول عربية تحت مسمى “إعادة ترتيب المصالح”.
قام ترامب خلال هذه الفترة باتهام خصومه السياسيين بالخيانة، وأمر بتحقيقات استثنائية طالت أبرياء في القضاء والإعلام والأوساط الأكاديمية. وشهد البيت الأبيض توجهاً خطيراً نحو عسكرة السياسة، بما يشبه زمن الانقلابات الناعمة، مما بعث برسائل سلبية إلى بلدان كالعراق ومصر والسودان التي لا تزال تجاهد لبناء مؤسسات مدنية قوية.
الأكثر إثارة للقلق في منطقتنا العربية، كان إقدام ترامب على فرض عقوبات غير مشروعة، وعلى دعم غير مسبوق لحكومات متشددة تجاه قضايا الشعوب، بدءاً من الملف الفلسطيني وصولاً إلى الملف السوداني والليبي، وكأن واشنطن قررت الانسحاب من دورها كـ”وسيط عادل”، لتحمل السلاح في وجه العدالة.
إعلان ترامب العفو عن مداني اقتحام الكابيتول كان بمثابة طعنة في خاصرة سيادة القانون، ورسالة ضمنية إلى الحكام المتغولين بأن الانقلاب على المؤسسات لم يعد محرماً. وفي وقت كانت القاهرة تترقب دعماً حقيقياً لعملية التحول الديمقراطي، جاءت هذه الرسائل لتعزز مخاوفنا من مستقبل تصير فيه السلطة هدفاً بحد ذاتها، وليست وسيلة لخدمة الشعوب.
اقتصادياً، دفع ترامب الولايات المتحدة إلى حافة أزمة مالية كبرى عبر إطلاقه حروباً تجارية جديدة، مما أصاب الأسواق العالمية بالارتباك، وأثر بشكل مباشر على الاقتصادات العربية المرتبطة بالدولار والسوق الأمريكية.
في النهاية، لم تكن أزمة المائة يوم مجرد حدث أمريكي داخلي، بل كانت درساً دامياً لنا جميعاً: أن الديمقراطية ليست محصّنة حتى في أعرق جمهوريات العالم، وأن سقوط المؤسسات يبدأ دائماً بخطوة واحدة.. خطوة صمت أو تجاهل أو مباركة، كما حدث هناك.