
يدل مسار المفاوضات الإيرانية-الأمريكية حتى الآن على أن فرصة نجاحها لا تقل عن احتمال فشلها. فرغم الصعوبات والتعقيدات وعدم الثقة المتبادل، يبدو كل من طرفيها فى حاجة للتوصل إلى اتفاق وتجنب حرب مدمرة.
إيران اليوم فى أضعف وضع منذ أكثر من عقدين. فقد أُضعف حلفاؤها، وفقدت جزءًا كبيرًا من منظومة دفاعها الجوى بفعل الاعتداء الإسرائيلى عليها فى أكتوبر 2024. وإذا كان فائض القوة لدى إدارة ترامب يدفعها إلى مواقف حادة، ومتهورة أحيانًا، فهى بدورها فى حاجة إلى اتفاق يُبقى لرئيسها أملاً فى أن يكون صانع سلام كما قال فى خطاب تنصيبه فى 20 يناير الماضى. فقد تراجع هذا الهدف مع اكتشاف ترامب أن حرب أوكرانيا أكثر تعقيدًا مما تخيل، وأن المسافة بين طرفيها أطول وأبعد من أن يمكن تقصيرها خلال أيام حسب ما وعد به فى حملته الانتخابية. كما أن اتفاق غزة الذى تباهى فى الخطاب نفسه بدوره فى التوصل إليه انهار، واستؤنفت حرب الإبادة دون أن يظهر فى الأفق ما يدل على إمكان إنهائها فى وقت قريب.
ولكن هذا كله لا يكفى بالطبع لتوقع إبرام اتفاق. فالمسافة بين النظام الإيرانى وإدارة ترامب بعيدة. ومع ذلك فهى قابلة للتقريب إذا استمر الاتجاه الذى يتبناه المبعوث الأمريكى ستيف ويتكوف إلى تقليص البرنامج النووى الإيرانى ليقتصر على الاستخدام السلمى، وليس تفكيكه على نحو ما حدث فى ليبيا. وفى هذه الحالة يمكن التفاهم على خفض نسبة تخصيب اليورانيوم بحيث لا تزيد على 3.67%، وتقليل مخزون اليورانيوم المخصب الذى ستحتفظ به إيران بحيث لا يتجاوز 300 كيلو وخفض عدد أجهزة الطرد المركزى، ومنع تصنيع صواعق للتفجير النووى.
والأرجح أن تقبل إيران هذا التقليص إذا لم يتغير الموقف التفاوضى الأمريكى الراهن ولم تطلب إدارة ترامب تنازلات إيرانية أخرى بشأن برنامجها الصاروخى وعلاقاتها مع حلفائها فى المنطقة. وفى هذه الحالة قد تكون العُقدة فى مسألة رفع العقوبات أو خفضها إلى مستوى تقبله إيران، وتعتبره مُقابلاً مناسبًا للتنازلات التى ستقدمها.