مقالات وآراء

د. ليون سيوفي يكتب : “صليب اللّبناني”

كُتب على شعبنا أن يحمل صليبه كلّ يوم، لا كخيار، بل كقسمة فرضتها عليه الجغرافيا والطّامعون، حكّامه وجلّادوه، والفقر والغربة، حتّى صار صلبه عادةً يوميّةً تتكرّر مع كلّ فجرٍ، ومع كلّ خبرٍ، ومع كلّ فاتورةٍ، ومع كلّ انفجارٍ، ومع كلّ مسيّرةٍ، ومع كلّ وعدٍ كاذب.

كتب عليه هذا الكأس لأنّ وطنه صار سوقاً بلا قلب، وساحة معارك لا تنتهي، لأنّ الكبار يبيعون الأوطان والصّغار يدفعون الثّمن، ولأنّه شعبٌ صبورٌ أكثر من اللازم، وحالمٌ رغم كلّ الخيبات، وأمله عنيدٌ لا يموت حتى تحت وطأة الصّلب اليومي.

صلب المسيح مرةً ليمنح الحياة، كجزءٍ من قصّة فداءٍ، لكنّ الشّعب اللبناني يشعر وكأنّ معاناته متواصلةٌ وغير منتهيةٍ، بسبب الفساد، الأزمات الاقتصادية، والصّراعات السّياسية التي تسيطر على البلاد.

أمّا اللّبناني فَصُلب ليتعلّم كيف يخلق حياةً من بين الموت، كيف يشرب المرّ ويتذوّق الحلو، وكيف يدفن أحلامه اليوم، ويزرعها غداً من جديد.

هكذا هو اللّبناني، منذ الأزل،ولكن لم ينكسر بعد ،من المؤلم أن نقارن معاناة شعبٍ بأخرى، لكن عند النظر إلى واقع لبنان، يمكننا أن نشعر بأنّ المواطن اللّبناني يعيش صلبًا يوميًا في ظلّ التحدّيات التي تواجهه في حياته اليومية.

كلّ يومٍ يمرّ على اللّبنانيين يحمل تحدّياتٍ جديدةً، من فقدان الأمل بسبب الأزمات الاقتصادية، إلى الفقر الذي يزداد، مرورًا بعدم استقرار الأوضاع الأمنية والسّياسية. ألأزمات المتتالية جعلت اللّبناني يشعر وكأنّ معاناته لا تنتهي.

ومع ذلك، رغم كلّ هذه التّحدّيات، يظلّ الشّعب اللّبناني لديه قدراتٌ على الصّمود والإصرار على النّهوض من جديدٍ. هذه المعاناة اليومية قد تكون دافعًا لتغييرٍ حقيقيٍّ في المستقبل، إذا ما وُجدت الإرادة السّياسية والتّعاون بين الجميع لبناء لبنانٍ أفضل وأكثر استقرارًا.

لذلك اقول ..

  • صُلبَ المسيحُ مرَّةً،
  • فكانَ الخلاصُ نُوراً في ظلامِ الطّريق.
  • وصُلبَ اللبنانيُّ كلَّ يوم،
  • ولا خلاص، ولا فجرَ يلوحُ في الأفق العتيق.
  • يُساقُ إلى جلَّادِه صامتًا،
  • بثوبِ الصّبرِ المغزولِ من وجعِ السّنين،
  • يَحملُ حُلمًا صغيرًا في كفّيه،
  • وفي صدرهِ نارٌ من الأنين.
  • يُصلبُ عندَ بوّاباتِ البنوك،
  • حيثُ المالُ قيدٌ، والودائعُ سراب،
  • يُصلبُ على فاتورةِ كهرباءٍ لا تُنير،
  • وماءِ وطنٍ جفَّ، كأنَّهُ لم يَعرف سحاب.
  • يُصلبُ فوقَ رغيفٍ يُسلبُ مِن فمِه،
  • وفي جيبِه فراغٌ، وعينيهِ سؤال:
  • “لِمَ الكأسُ مرٌّ حدَّ العلقم؟
  • ولِمَ العمرُ يُصلبُ بلا زوال؟”
  • يُصلبُ حينَ يحمِلُ جوازَ سفرِهِ،
  • ويهجرُ ترابَهُ جَرحًا لا يندمل،
  • يُصلبُ حينَ يَعدُّ شهداءَهُ،
  • ولا تنتهي القائمةُ… ولا يَكتملُ الأمل.
  • لكنَّه، رغمَ صلبِهِ ألفَ مرَّة،
  • ينهضُ كلَّ صباحٍ كالفينيقِ،
  • يُرمِّمُ قلبَهُ بحُبِّ الحياة،
  • ويزرعُ الأملَ على شُرفاتِ الضّيق.
  • يا وطنًا يُصلبُ شعبُهُ كلَّ يوم،
  • أما آنَ لصليبِكَ أن يُرفع؟
  • أما آنَ للياسمينِ أن يُزهرَ في الطّرقات،
  • ويُزهرَ الحلمُ، وتُزهرَ الدّروب؟

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى