مقالات وآراء

يوسف عبداللطيف يكتب: سيناء ليست أرضًا محررة بل قلبٌ لا يُؤسر مرتين

لا أكتب اليوم احتفالًا بذكرى تحرير، بل أكتب إعلانًا أخلاقيًا عن مسؤولية لا تنقضي، وصرخة مدوية في وجه النسيان .. لأن سيناء، حين نذكرها في الخامس والعشرين من أبريل، لا تكفيها الخطب ولا تليق بها الشعارات.

ففي كل عام، حين يطل علينا الخامس والعشرون من أبريل، تتوهج في القلب شعلة من الفخر لا تخبو، وتُشرق في الوجدان مشاهد لا تُنسى، كتبها شعب بأكمله بدمه وصبره وإرادته.

ذكرى تحرير سيناء ليست مجرد مناسبة عابرة نحتفل بها، بل لحظة وطنية خالدة تؤكد أن مصر لا تُهزم، وأن كرامة الأرض لا تُساوم، وأن إرادة المصريين لا تُقهر مهما طال الزمن.

هذه الأرض لم تُسترد فقط، بل انتُزعت من بين أنياب الطمع والإذلال، واستعادها شعب لم يكن يملك سوى العناد والإيمان، في وجه قوة أرادت أن تطمس هويته وتنهب روحه.

سيناء، هذه البقعة الطاهرة من أرض الوطن، ليست مجرد مساحة جغرافية استردها الجيش الباسل، بل هي رمز لعزيمة لا تلين، ومثال على أن الكفاح يصنع المعجزات.

حين نحتفل بتحريرها، فإننا نحتفل بانتصار العقل على القوة، والصبر على اليأس، والحب على الخوف .. لقد كانت الحرب طريقنا، لكن كان السلام هدفنا الأسمى، وقد بلغناه بكرامة وشرف.

كم هي عظيمة مصر حين تتكلم بلغة التحرير! وكم هو نبيل هذا الشعب حين يصطف خلف جيشه لا ليحتفل بالنصر فحسب، بل ليصونه ويُعلي رايته، جيلاً بعد جيل.

تحرير سيناء لم يكن نهاية المعركة، بل بداية عهد جديد، عهد البناء والتعمير والاستثمار في الإنسان والمكان .. من صحراء صامتة إلى أرض تنبض بالحياة، تلك هي معجزة المصري حين يؤمن بقضيته ويعمل من أجلها.

إن يوم تحرير سيناء هو يوم عزة لكل مصري، يحمل في طياته رسالة أن الوطن لا يُخذل، وأن دماء الأبطال لم تذهب هدرًا، بل أينعت أملًا وزرعت الأمان في قلب الأمة.

كل شبر في سيناء يشهد على قصة كفاح، وكل نسمة تمر على جبالها وسواحلها تروي للأجيال حكاية مجد لا يصدأ.

اليوم، ونحن نحتفل، لا نكتفي برفع الأعلام ولا بالأناشيد وحدها، بل نرفع رؤوسنا فخرًا بما تحقق، وننظر إلى المستقبل بعين مليئة بالتفاؤل.

فـ سيناء، التي كانت مسرحًا للحرب، أصبحت الآن وعدًا بالحياة، ومساحة للأمل، وقبلة للمشروعات القومية الكبرى.

من أنفاق العبور، إلى مدن جديدة تولد بين رمالها، إلى تنمية حقيقية تستهدف الإنسان أولًا، تلك هي مصر التي تحوّل الحلم إلى واقع.

نحتفل لأننا نؤمن أن التحرير لا يكتمل إلا حين تتحول التضحية إلى نهضة، وحين تمتد يد الدولة إلى كل بقعة من الوطن، بلا استثناء، وبلا تردد.

نحتفل لأننا لا ننسى، ولأن الذاكرة الوطنية ليست مجلدًا يُغلق بعد قراءته، بل ضمير حيّ يعيش في تفاصيلنا اليومية، ويدفعنا لأن نكون على قدر هذا التاريخ.

سيناء لا تزال تنادينا، ليس لتحرير آخر، بل لإكمال المسيرة .. فكما انتصرنا بالسلاح، لا بد أن ننتصر بالعلم، وبالعمل، وبالحب.

علينا أن نجعل من كل مشروع في أرضها لبنة في جدار الكرامة، ومن كل طفل ينشأ فيها سفيرًا للوطن، يعرف قيمة ما وُهب له، ويصونه كأغلى ما يكون.

إن تحرير سيناء لا يعني فقط طرد المحتل، بل يعني أيضًا استرداد الأمل، وتجديد العهد مع الأرض، والانتماء الحقيقي لها.

لذلك فإن ذكرى هذا اليوم هي موعد دائم مع الفخر، مع الشكر، مع العمل .. إنها تذكرة لنا جميعًا بأن هذا الوطن يستحق منا كل الجهد، وكل الإخلاص، وكل التضحية.

في هذا اليوم العظيم، أقولها بكل محبة شكرًا لرجال صدقوا الوعد، ولشعب لم ينكسر، ولأرض لم تخضع .. شكرًا لمصر، التي كلما أرادت الحياة، كتبتها بأحرف من نور .. كل عام وسيناء بخير، وكل عام ومصر منتصرة، وآمنة، ومزدهرة.

المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى