مقالات وآراء

كمال مغيث يكتب : طه حسين: كان مثل هؤلاء وزراء التعليم من ٧٥ سنة

فى آخر الأربعينيات كانت الملكية فى مصر تعيش أسوأ أيامها فقد خرجت مصر مهزومة وجريحة من حرب فلسطين، والإخوان المسلمين يقتلوا النقراشي فيقتل الملك حسن البنا, والملكة نازلى تفر خارج البلاد هى واختا الملك، والإنجليز مازالوا يعيثون فسادا فى القناة، المهم أن ناصح أمين قد نصح الملك بأن يأت بالنحاس باشا والوفد إلى الحكم، ” ليشيل هو الشيلة الثقيلة”

وجاء الوفد إلى الحكم يناير ١٩٥٠، وجاء طه حسين وزيرا للمعارف فى الوزارة الوفدية، رغم رفض الملك لوجوده فيها، فقد كان الرجل قد أثار الدنيا بكتابه ” المعذبون فى الأرض” فطبع فى لبنان ودخل مصر مهربا.. وأثناء حلفه ليمين الوزارة قال له الملك: أهلا طه حسين رجل المتاعب، فرد طه حسين: المتاعب يا مولاى لا تطلب لذاتها ولكن يجيئها الإنسان فى طريقه إلى الحق

وشهدت الوزارة واحدا من أزهى عهودها فتأسست جامعة ابراهيم باشا – عين شمس فيما بعد – وأنشئ مكتب التنسيق، وأضيفت سنة إعدادية لمرحلة التوجيهية لتزداد كفائتها، وأعفى عن طلاب الجامعات المتعثرين فى دفع مصروفاتها.

وراح طه حسين يزور مدارس مصر ويتلقى من كبار العائلات والباشوات دعوات الغداء والعشاء والشاى فى البيوتات الكبيرة، فطلب طه حسين من سكرتيره أن يقبل جميع الطلبات على أن يكون ثمن دعوة الغذاء والعشاء خمسة آلاف جنيه وثمن دعوة الشاى ألف جنيه، على أن توضع تلك الأموال فى صناديق الأبنية المدرسية فى المديرية للمساهمة فى بناء المدارس.

ويقص لىٓ ابن عمى الراحل أحمد عبد المجيد مغيث وهو درعمى فذ، انه فى سنة ١٩٥٠ كان فى الصف الثانى الابتدائى فى قريتنا آنذاك الباجور منوفية. وكان رقيق الجسم وأخطا خطاً ما، فغضب المدرس وهجم عليه فبال ابن عمى على نفسه، ورجع إلى أبيه فى حاله مزرية وكان عمى عبد المجيد رجلا عنيدا، فأخذ ” لباس” ابنه الذى بال فيه وكتب جوابا فظيعا للوزير طه حسين يفند مايحدث فى مدارسه وأرسله طردا على مكتب وزير المعارف

ويقول ابن عمى: وبعد نحو أسبوع كانت هناك لجنة من الوزارة فى مكتب ناظر المدرسة تستدعى أبى والمعلم وأنا وتحقق فى الأمر لينال كل ذى حق حقه

ومن عجائب الزمن أن يصبح ابن عمى هذا نفسه موظفا فى مجمع اللغة العربية ليتولى سكرتارية الجلسات التى يرأسها طه حسين… وبعد شهور وفى سنة ١٩٦٤ يستدعيه أمين المجمع الأستاذ إبراهيم الترزى ليقرأ للباشا فى بيته” رامتان” لشهرين، لأن سكرتيره وقارئه فريد شحاته فى أجازة شهر عسل..

ويقرأ ابن عمى للباشا شهرين كاملين وفى اليوم الأخير، يقول له طه حسين: شكرا يا أستاذ مغيث لقد اجدت وأحسنت فى مهمتك التى انتهت اليوم لأن فريد سيتسلم عمله غدا ولا تنس أن تأخذ المظروف الذى على يمينك.. وعندما رد ابن عمى: أى مظروف ياباشا أنا موظف منتدب واتقاضى مرتبى من المجمع.

فرفع طه حسين كفه فى إشارة لانتهاء المناقشة

فتناول ابن عمى المظروف وسلم.. وخرج

هكذا كان وزراء تعليمنا منذ خمسة وسبعين سنة

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى