
يا من تُولد في أرضٍ يحكمها الطغاة، احذر… فإن أول ما يسلبونك إياه ليس المال ولا الحرية، بل القدرة على التفكير.
في زمنٍ يضيق فيه الأفق، ويبهت فيه الفرق بين النور والظلال، يصبح السؤال البسيط: “لماذا أعيش هكذا؟”
فعلًا جريئًا… وربما مجرَّمًا.
ذلك أن الطغيان لا يبدأ من السجون، بل من العقول.
إنه لا يخاف من صرخة… بل من فكرة. لا يخشى المدافع… بل من التأملات الصامتة.
فمن يُفكر، يُراجع. ومن يُراجع، يُشكك. ومن يُشكك، يطالب.
وهذا وحده كفيل بأن يُربك منظومة القهر التي ينسجها المستبدون بخيوط الجوع والخوف.
ولذلك، فإنهم لا يصادرون الخبز فقط، بل يصادرون الشبع.
يريدونك بلا وعي… بلا سؤال… بلا وجع داخلي.
يريدونك تكتفي بقشرة الحياة، لا تسأل عن جوهرها.
إن أردت أن تفهم منطق الطغاة، اقرأ التاريخ جيدًا.
إن نيرون لم يحرق روما وحدها، بل أحرق ذاكرة الرومان.
إن فرعون لم يقتل موسى، بل حاول قتل الفكرة… فكرة أن عبدًا يستطيع أن يرفض.
وإن كل طاغية عرف أن أشرس الأعداء ليس من يملك سيفًا، بل من يملك فكرة.
فالطاغية لا يبني سلطته على القوة فقط، بل على جوعك، جهلك، وارتباكك الداخلي.
هو لا يكتفي بأن يحكم جسدك، بل يطمح إلى ترويض عقلك، إلى أن تنسى أنك إنسان… وتتحول إلى مجرد تابع، خائف، صامت.
لقد علّمنا التاريخ أن الطاغية لا يحكم بالشجاعة، بل بالخداع.
فأول ما يفعله المستبد هو تغييب العقول، وأول ضحايا الطغيان هو العقل. الاستبداد عدو العقل، وعدو الحرية، وعدو الحياة.”
فالمستبد لا يسرقك من بيتك، بل من وعيك.
يُغرقك في معارك الطعام والكهرباء والماء والراتب، حتى تنسى أنك مخلوق للتفكير لا للركض خلف الفُتات.
في ظل الاستبداد، الجوع ليس كارثة او مشكلة يبحث الحاكم لها عن حلول… بل أداة.
هم لا يجوعونك صدفة، بل عمدًا.
لأن من يُفكر يشبع، ومن يشبع يُطالب، ومن يُطالب يُهدد العروش.
ولهذا تُبنى المدن الفاخرة للنخب… وتُحفر السراديب للعامة.
يُقسّم الوطن طبقتين:
أقلية تعيش في جزر خضراء محمية، تُنعم بالتكييف الذكي والترف الزائد…
وغالبية تئن تحت الأرض، بين فواتير مرهقة، وماء ملوث، وأمل معطوب.
وفي هذا الواقع، لا مكان لطبقة وسطى تُفكر وتُناقش وتُعبر.
الاستبداد لا يتحمّل وجود منطقة رمادية.
إما أن تكون تابعًا، أو خصمًا.
إما مبايعًا… أو مهددًا للأمن.
الاستبداد يفسد العقل حتى يظن المظلوم أن الظلم حق، وأن الذل حكمة، وأن الاستسلام عبادة.”
وهكذا ترى الشعوب المقهورة تتناقل الوهم، وتقدّس القيد، وتموت من أجل جلادها… وتكره من يُنادي بحريتها.
لكن أخطر أدوات الطغيان ليست السجون ولا البنادق… بل المشايخ والشاشات.
يُروّجون لك أن الصبر فضيلة، وأن الخضوع عبادة، وأنك وُجدت لتُطيع لا لتُغيّر.
يزينون لك القيد باسم القدر، والذل باسم التواضع، والخنوع باسم الأدب.
حتى يُصبح الحُلم جريمة… والأمل حماقة.
وهكذا، يُصنع الإنسان الجديد…
إنسان يُصفق للخُطَب، ويجوع في صمت، ويُدندن أناشيد المجد بينما يعيش في قاع البؤس.
إنسان يتخيل النصر، ولا يسعى إليه.
يمارس العادة السرية بالأمل، كما قال أحدهم… ثم ينام مرتاحًا لأن الحلم وحده قد هدّأ ألمه.
يا من تقرأ…
لا تسمح لهم أن يسلبوك نعمة التفكير.
لا تسمح أن يُختزل وجودك في مجرد “النجاة”.
الحياة التي لا تتيح لك أن تفكر بحرية، ليست حياة… بل جنازة مؤجلة.
ارفع رأسك، ولو في ظلمة.
اسأل، حتى لو كانت الإجابات ممنوعة.
فكر، حتى لو قالوا لك “كُفّ عن الحلم”.
لأن كل ما ينهار في هذا العالم… يبدأ بفكرة.
وكل ما يُبنى من جديد… يبدأ بعقل رفض أن يُخدَّر.
في النهاية… ليست معركتنا مع الجوع، ولا مع القمع…
بل مع الفكرة التي تقول إننا لا نستحق أفضل.
فيا من وُلدت في زمن الانكسار، لا تستسلم.
تذكر كلماتي دائما
إنهم لا يريدون قتلك… بل يريدونك أن تموت وأنت حي.
يريدونك ترقص في الزحام، وتضحك في القهر، وتشكرهم لأنهم “لم يقتلوك بعد”.
يريدونك تظن أن التكييف رفاهية، وأن الماء النظيف إنجاز، وأن البقاء نفسه نعمة.
يريدونك تعيش في العتمة، وتصدق أن الشمس ليست لك.
فلا تصمت.
اصرخ في وجه الجوع… في وجه الإعلام الكاذب… في وجه من يقول لك إنك “لا تستحق”.
اصرخ لتتذكر أنك إنسان، خُلقت لتفكر، لا لتخاف.
خُلقت لتعيش، لا لتنجو.
وتذكّر دائمًا:
الحياة التي لا تسمح لك بالتفكير، ليست حياة…
بل زنزانة أنيقة، لا يُفتح بابها إلا حين تموت.