
اليوم 25 أبريل تبدأ الشرق عامها الـ12 4000 يوم عمل قرابة 100 ألف ساعة و6 ملايين دقيقة بث.
كثيرون لا يعرفون،
كم من الوقت،
ومن الجهد،
ومن “التكلفة”،
يلزم لكل دقيقة…
حتى تتحوّل الكلمة إلى ورقة، والورقة إلى صوت،
والصوت إلى رؤية،
والرؤية إلى موقف،
والموقف إلى صمود.
صمود أمام كل ألوان العقبات، والضغوطات، والإغراءات، والتهديدات.
نعرف – تمامًا – كم من الزمن مرّ، ونحن نضع عمامة ابن حنبل فوق رؤوسنا، ونضع رؤوسنا على كف، ومصالحنا وحياتنا على الكف الآخر،
ونحمل الحكمة على كتف، والحق على الكتف الآخر.
نعرف سواد العسل؟
وطعم ملوحة الموج، يرتطم بوجهك فجأة، ويحاول أن يسحب الحكاية إلى دوامة الصفر،
ونقاومه، لا لنربح البحر،
بل كي لا نخسر أنفسنا،
فالأنهار العذبة لا تملك أن تهزم البحر،
لكن البحر لا يملك أن يلغي نهرًا من على الخريطة.
4000 يومًا من السير – دومًا – على الحافة،
على حدّ المعنى،
على حدود وطنٍ لم نغادره لحظة،
وإن افترقنا عنه قهرًا – مؤقتًا – وفي الجغرافيا فقط.
الأيام، كانت أطول من عدد ساعاتها – فلم تكن كلها عادية، ولا كلها استثنائية.
كتبنا، وصرخنا، وابتسمنا، وبكينا، لكننا، يومًا، لم نصمت.
تفادينا الصمت بكل صبر وحكمة.
نحتفل، بدخول قناة الشرق عامها الثاني عشر.
لا كاحتفال بالزمن، أو حتى بما قُدِّم خلاله،
بل كتجديد للعهد مع الحرية،
التي نتنسمها خارج الوطن – مؤقتًا –
ومع الاستبداد الذي يتوحم على لحمنا ولحم الحرية – دائمًا.
مؤمنين أن من عاش لرسالة،
لا يُقاس إنجازه بعمر،
بل بمقدار ما لم يتنازل عنه.
اثنا عشر عامًا… في حب مصر، بلدنا وأمتنا العربية والإسلامية.
لم نقل – فقط – ما يمكن أن يُقال.
بل قلنا ما ينبغي أن يُقال.
لم نُعارض إلا ما ينبغي أن نُعارضه،
ولم نُؤيد إلا ما ينبغي أن نُؤيده.
لم نُساير الموج، بل سبحنا في غالب الأوقات عكسه،
حتى ولو ابتلعنا – أحيانًا – التيار الجارف.
أيقنّا، عامًا بعد عام، أن الإعلام ليس – فقط – مهنة، وحرفة،
بل موقف.
وأن الصوت، إذا لم يكن منحازًا للناس،
فهو ضدهم،
حتى لو تلحّف بالموضوعية الكاذبة، أو الغوغائية والشعبوية المزايدة.
6 مليون دقيقة…
تعني 6 مليون محاولة صدق، وحكمة، وعقل، وموضوعية.
ليست مجرد أرقام…
بل شهقات من حب الوطن،
وزفرات من ألم الإنسان،
وصرخات في وجه النسيان.
قد يسأل البعض – وبحق – ماذا قدّمتم؟
فنقول ببساطة:
احذف الشرق من المشهد وحدثنا عنه…
حدثنا عن حال الحقيقة،
عن أصوات وأنين المظلومين والمعتقلين والمختفين والصادقين،
ممن لا صوت ولا نفس لهم داخل حدود مصر.
فمصر لم تغب عن الشاشة،
لأنها لم تغب عن القلب.
رأيناها في وجوه المقهورين،
وفي دموع الأمهات،
وفي شوارع تغيّرت ملامحها،
لكن بقيت فيها أرواح تبحث عن وطن يُشبهها.
من “الشرق”، ظلّ الصوت حرًّا، عاقلًا، لا يُشترى، لا يُكمَّم، لا يُروَّض،
ولا ينبع ولا يتبع دولة أو جماعة أو تيار.
كتبنا وقلنا، من موقع العاشق لا المتواطئ،
ومن صميم القضية لا من هوامشها.
4000 يومًا من حب لا يُنسى، وصوت لا يُخفت، وذاكرة لا تُمحى.
لم نعد نعدّ الأيام، بل نحياها،
نزرع فيها شيئًا من النور،
لعلّه يصل – يومًا ما – إلى العتمة التي خلف جدران بلادنا العربية.
كتبنا، وسنكتب،
لا لنرضي أحدًا،
بل لنبقى أوفياء لصوت الناس.
ساندنا ثورة السودان وناهضنا الميليشيات،
وواجهنا الحرب والعدوان في غزة ولبنان،
وساندنا الثورة في سوريا وليبيا والجزائر،
وتصدّينا للانقلاب في مصر وتونس.
الشرق لم تكن يومًا مجرد قناة…
بل هي محطة في طريق الحقيقة،
والحرية،
والأمل،
وسطر في قصيدة لم تكتمل.
وها نحن نُطفئ شمعة، لنُشعل ضوءًا جديدًا في عامنا الثاني عشر.
لا نُراهن على الوقت،
بل نراهن على الصدق.
ولا نحتفل بمرور الأيام،
بل ببقاء البوصلة في اتجاهها الصحيح،
حتى لو تعدّلت وتوسّعت زاوية الرؤى.
رسالة أخيرة: دعوة لجمهور الشرق
في أحد اجتماعاتنا الأخيرة داخل أسرة الشرق،
سألتني الزميلة الإعلامية فيروز حليم،
مقدمة برنامج تصريح مواطن:
ما الهدية التي يمكن أن نقدمها لجمهورنا مع بداية عامنا الثاني عشر؟
لم أُجب حينها.
لكنني الآن، وبعد تفكير طويل، أعلنها بوضوح:
الهدية هي الشرق نفسها.
نُهديها لكل من آمن بهذا الصوت،
لكل من تمسّك بحلمه في مصر، السودان، جيبوتي، الخليج، الجزائر، المغرب، فلسطين، سوريا، ولبنان…
لكل من ما زال يرى في الحقيقة… أملًا.
إذا كنتم ممن يؤمنون أن الصوت الحر لا يُقمع،
وأن الحقيقة لا تُشترى…
شاركونا بأصواتكم، بصوركم، بكلماتكم، برأيكم، بحضوركم…
على شاشاتنا عبر الأقمار الاصطناعية،
وعبر منصات السوشيال ميديا.
فلكم في هذه القناة مثلما لنا.
لقد قررنا أن يكون عامنا الثاني عشر هو عام الشراكة الواسعة.
لتتحوّل أسرة الشرق من 150 صحفيًا وإعلاميًا…
إلى 450 مليون إنسان.
فكونوا جزءًا من السطر القادم في كتاب هذا الوطن.
فرغم أن مصر قبلتنا،
إلا أنها ليست بلدًا بعيدًا عنكم…
والشرق هو صوتها، وصوتكم.
رسالتي الأخيرة لزميلاتي وزملائي
لا يُكرَّم الإنسان في بيته،
ولا يُشكر على أداء واجبه،
لكنكم أديتم في 11 عامًا أكثر من واجبكم،
فكانت الشرق بيتكم.
فشكرًا، وحبًا، واعتزازًا بكم جميعًا،
من هم أمام الكاميرات ومن هم خلفها.