
بينما الناس فى متاهة الحياة يغدون ويروحون يصارعون أحداثها ويتفاعلون مع مجرياتها بين ماشٍ على مَهَل ومسرعٍ بغير وَجَل ومستغرقٍ فى مستقبلٍ يستشرفه وماضٍ إلى مصير لايعرفه وبين مُتحرٍ للحلال لايبرحه ومسرفٍ فى الحرام كأنه لايعرفه ، بين حاملٍ للهموم وآخر تارك أمره للحى القيوم تعددت نواياهم واختلفت سرائرهم وطواياهم، وإذ هم على اختلاف الحالات وبدون مقدمات زُلزِلت الأرض في تركيا زلزالها وكأن القيامة في جزء من الأرض قد قامت، فالأرض هنالك قد مُدت وأذنت لربها وحُقت، فالصرخات تعالت والآهات توالت، وفرَّق الزلزال بين الأخ وأخيه والأب وبنيه والرضيع وأمه التي تؤويه، والناس في الشوارع يهرولون كأنهم إلى نُصُب يوفضون، وتراهم من شدة الخطب حيارى كأنهم سكارى وما هم بسكارى، ولكن هول الزلزال شديد وارتداداته لا تتوقف فهي تُبدئ وتُعيد.
والأمر لا يعدو لمحة من لمحات يوم القيامة، فلا السماء انفطرت ولا الكواكب انتثرت ولا النجوم انكدرت ولا البحار فُجّرت ولا القبور بُعثرت ولا الشمس كُوّرت ولا الجبال دُكت ، لا شيء من ذلك حدث بل فقط زُلزلت الأرض في جزء يسير منها زلزالها ولم تُخرج أثقالها وسأل الإنسان -وحُق له أن يسأل- وقال ما لها؟ كأنه لا يعلم أن ربها أوحى لها، وما كان لها أو لغيرها في الوجود أن تفعل شيئاً من تلقاء نفسها، وهي طائعة لا تعصي ربها وقد عُرضت عليها الأمانة فأشفقت منها وأبت حملها وحَمَلها الإنسان وها هو يسأل ما لها؟ هنالك كأني سمعتها تُحدِثُ أخبارها. نعم سمعتها كأن لم أسمعها من قبل تسأل أين أهل العظة والاعتبار مما أُحدِث به من أخبار
فقط أرسلت لكم نذيراً مِن نُذُرى الأولى وماأزفت بعد الآزفة التى ليس لها من دون الله كاشفة ولكنها أوشكت وأنتم لاتعتبرون ولا إلى الحق تعودون ولا إلى نصرة المظلومين تُهرعون ولاإلى إغاثة الملهوفين تسرعون ولا فى وجوه الطغاة تقفون فها هى غزة كشفت ستركم وفضحت أمركم وأنا الأرض المأمورة بأمر ربها أتميٌَزُ عليكم من الغيظ وودت لو أن الله أمرنى فابتلعتكم ولا أبالى.
وقد رأيتم نَذراً يسيراً من أهوالى وأنا أسألكم إن اشتد زلزالى عن آثارى أَلَيس قتلاً أو دماراً فهذا الذى منه تخافون وتسرعون فى الشوراع كأنكم إلى نُصُبٍ توفضون فهلاٌَ نظرتم إلى غزة ومايحدث فيها من زلزال الظلم والجور والطغيان وآثار مايجري منكم من خذلان فإذا الأمهات هناك ثكلت وإذا الزوجات رملت وإذا الأطفال يتمت وإذا البيوت هدمت وإذا الأَُسَر شُردت وإذا الحرمات اُنتهكت وإذا المقدسات اُغتصبت فما كان جوابكم وماهو رد فعلكم شعوباً وحكومات فما رسول الله يجلى بنى قينقاع ولاأصحابه يزأرون فوق الخندق يواجهون الأحزاب ولاثمٌَ معتصم يغيث من استغاثت ولايجير من استجارت فأين نخوتكم وإن لم يكن بكم من دين فأين بقايا عروبتكم وكرامتكم؟
فوالله تلك هزة يسيرة هنا أو هناك علٌَها تهز مشاعركم وتحرك بقايا ضمائركم فإن لم تفيقوا أو تستفيقوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله أنا أول مقدماتها وبداية نُذُرها ولا تسألوا بعد ذلك لِمَ زلزت الأرض زلزالها فقد أنذَرتكم وحدَثتكم أخبارها وكل حادثة لها مابعدها.