شباك نورمقالات وآراء

د. أيمن نور يكتب : ما الذي يدفع وكالة أمريكية لنفض الغبار عن اغتيال السادات؟ وهل هذا مجرد فيديو أرشيفي أم رسالة سياسية مشفرة؟

من بين ملايين المشاهد التي وثّقها التاريخ بعدسات متباينة،

اختارت وكالة أنباء أمريكية كبيرة بحجم “أسوشيتد برس” (AP) أن تُعيد، وبهذا التوقيت بالذات، نشر نسخة عالية الجودة بالصوت والصورة لواحدة من أكثر اللحظات إثارة وغموضًا في تاريخ مصر الحديث: اغتيال الرئيس أنور السادات.

السؤال الأهم هنا لا يتعلق بجودة المادة المنشورة، بل بتوقيت نشرها. لماذا الآن؟ وما الرسائل غير المعلنة خلف إعادة بث هذا المشهد المؤلم؟

اغتيال السادات في ٦ أكتوبر ١٩٨١، على منصة العرض العسكري، لم يكن مجرد حادثة اغتيال لرئيس دولة؛ بل كان لحظة مفصلية في التحول من عصر إلى آخر. لم تُمحَ آثار تلك الرصاصات من الذاكرة الوطنية، ولا من الوجدان العربي. ومع ذلك، فالفيديو الذي أعادت الوكالة نشره ليس جديدًا من حيث الحدث، بل جديد من حيث الصياغة، التوقيت، والدلالات السياسية.

توقيت إعادة النشر يُثير علامات استفهام كثيرة. يأتي هذا الفيديو وسط مشهد إقليمي شديد التقلب، وساحة مصرية تكاد تغلي تحت السطح رغم الصمت الظاهري.

ومع اقتراب الذكرى الأربعين لرحيل السادات، يُطرح سؤال خفي؟

هل هناك محاولة لإعادة تقييم الرجل؟ أم استدعائه ضمن سياق سياسي ما؟ أم أنها مجرد صدفة تحريرية عابرة؟ لا شيء في عالم السياسة يحدث مصادفة، ولا حتى اختيار فيديو من الأرشيف.

في قراءة أعمق، قد يكون في نشر هذا الفيديو إشارة أمريكية إلى إعادة النظر في التحالفات الإقليمية،

أو في شخصيات قادت تغييرات حادة في المنطقة. وقد يكون أيضًا تذكيرًا غير مباشر بأن الأمن قد يبدو مستقرًا لحظة، لكنه قابل للانهيار بلحظة أخرى. هذا النوع من الرسائل المضمرة يتكرر كثيرًا في الأدبيات السياسية الأمريكية، ولا سيما حين يتعلق الأمر بمناطق ساخنة كمصر.

من الناحية الفنية، يُلاحظ أن الفيديو الجديد أكثر وضوحًا، ويبدو أنه خضع لعملية ترميم رقمية دقيقة.

هذه ليست مجرد رفاهية بصرية، بل عادةً ما ترتبط بمشاريع توثيق تحمل أهدافًا ثقافية أو أمنية أو استخباراتية، خاصة حين تصدر من وكالة بحجم AP التي تُعد واحدة من أذرع “القوة الناعمة” في الإعلام الغربي.

في هذا التوقيت الذي تشهد فيه المنطقة اضطرابات متعددة، من الحرب في غزة إلى التوترات في البحر الأحمر، وعودة الاهتمام الأمريكي – الإسرائيلي بمنطقة الشرق الأوسط – قد يُفهم نشر الفيديو كتلميح إلى دروس التاريخ التي لا تزال قائمة. لعل الرسالة: من لا يتعلم من التاريخ، يُجبر على تكراره.

يبقى السؤال الأهم، هل نحن بصدد إعادة تشكيل سردية السادات؟

وهل ما نُشر هو مجرد فيديو أم مقدمة لسلسلة رسائل، أو حتى أوراق ضغط على أطراف بعينها في القاهرة؟ في السياسة، لا يُستخدم الأرشيف للعرض فقط، بل في أحيان كثيرة، يُستخدم كوسيلة للتلميح، أو حتى للتهديد غير المباشر

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى