صحيفة الغارديان: تراجع الديمقراطية في تونس يدفن الأمل الذي انطلق مع الربيع العربي

لم تكن تونس مجرد مهد الربيع العربي. ففي عام 2021، بعد عقد من اندلاع تلك الحركة في المنطقة، بقيت بمثابة منارة ديمقراطية خافتة لكنها ثمينة، في وقت انزلقت فيه دول أخرى بسرعة نحو الفوضى أو الاستبداد.
ثم قام الرئيس قيس سعيد بانقلاب ذاتي، وألغى معظم التقدم الذي أحرزته البلاد، وقوّض مؤسسات الدولة، وسلب مواطنيه الحريات المدنية التي ناضلوا من أجلها.
وبعد إعادة انتخابه العام الماضي – في انتخابات استُبعد منها جميع المعارضين الفاعلين، وفي ظل نسبة مشاركة تاريخية منخفضة – ضاعف من جهوده. فقد طالت حملاته القمعية المجتمع المدني، وقطاع الأعمال، والسلطة القضائية، ووسائل الإعلام، والمعارضين السياسيين،
ولم تتوقف عند هذا الحد. ففي العام الماضي، أُلقي القبض على مسؤولين من الاتحاد التونسي للسباحة بتهمة “التآمر على أمن الدولة” بسبب عدم عرضهم العلم الوطني في إحدى البطولات.
وحذّرت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير جديد الأسبوع الماضي من أن “الاحتجاز التعسفي أصبح ركيزة أساسية لقمع الحكومة”، مشيرة إلى أن العديد من المعتقلين يواجهون أحكامًا بالإعدام بسبب تصريحاتهم العلنية أو أنشطتهم السياسية.
وقد نُشر التقرير في وقت حكمت فيه محكمة بالسجن على معارضين سياسيين، ومسؤولين سابقين، وشخصيات بارزة في تونس، لمدة تصل إلى 66 عامًا، في أعقاب محاكمة جماعية. وتتضمن القضية، التي لا يزال بعض المتهمين ينتظرون الحكم فيها، تهمًا ملفقة مثل “التآمر على الدولة” و”الانتماء إلى جماعة إرهابية”
. ومن بين من حوكموا غيابيًا المفكر الفرنسي برنار هنري ليفي، الذي ورد أنه حكم عليه بالسجن 33 عامًا.
ولم تكن الأحكام موضع شك كبير. ففي عام 2023، وصف قيس سعيد السياسيين المتهمين بأنهم “خونة وإرهابيون”، وأضاف أن القضاة الذين يبرئونهم سيكونون شركاء في الجريمة.
وكان من بين المتهمين شخصيات بارزة من حركة النهضة، كبرى الأحزاب المعارضة، ومنهم مؤسسها راشد الغنوشي، البالغ من العمر 83 عامًا، والذي حُكم عليه بالسجن 22 عامًا في قضية منفصلة في فبراير الماضي.
وكأنما لتأكيد الرسالة وراء هذه المحاكمات، تم اعتقال المحامي البارز أحمد الصواب بعد وصفه للمحاكمة بأنها “مهزلة”.
وقد التزم الشركاء الديمقراطيون الغربيون لتونس صمتًا لافتًا ومخزيًا بينما كان سعيد يوسع حملة القمع. فعندما اندلعت أعمال عنف عرقية وعمليات طرد في أعقاب هجماته العنصرية والانتهازية على المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء – الذين حمّلهم مسؤولية تدهور الاقتصاد – بقيت العلاقات معه دافئة.
فبالنسبة للاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، بدا أن استعداد سعيد للحد من تدفقات المهاجرين أهم بكثير من سحقه للديمقراطية المحلية.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، اقترحت المفوضية الأوروبية إدراج تونس في قائمة جديدة للدول “الآمنة”، ما يسمح للدول الأعضاء بتسريع إجراءات رفض طلبات اللجوء من رعايا هذه الدول. لكن الأحكام القضائية الأخيرة تذكير إضافي بسبب وجوب التراجع عن ذلك التصنيف.
إن جنون الارتياب لدى سعيد يكشف الحقيقة: أنه ليس بمنأى عن السقوط. ففشله في تحقيق التقدم المادي الذي وعد به شعبه، رغم صعوده على أكتاف خطاب ديمقراطي، قد زاد من تفاقم الأزمات الاقتصادية.
وهناك تقارير عن تزايد القلق في الأوساط العسكرية والحكومية تجاه حكمه. ومع ذلك، فإن المجاهرة بالرأي تنطوي على مخاطرة شخصية جسيمة. ولهذا فإن ما يقوم به أولئك التونسيون الذين لا يزالون يجرؤون على رفع صوتهم، يُعد أمرًا يستحق الإعجاب. ولا ينبغي أن يُترك هؤلاء وحدهم للدفاع عما تبقى من حلمهم الديمقراطي.