مصر

“صناعة الدهشة” .. تأملات كاتب وناقد في سرد عمار علي حسن

عن دار نفرتيتي بالقاهرة صدر كتاب “صناعة الدهشة” للروائي والقاص والناقد فرج مجاهد عبد الوهاب، يتناول فيه عدد من الروايات والمجموعات القصصية التي أصدرها عمار علي حسن، ويقدم رؤى فنية مختلفة وفق طبيعة النص وشكله، وسياق إنتاجه والفكرة المركزية له، وأنماط شخصياته، وبنيته وجوانبه الفنية.

يبدأ عبد الوهاب كتابه، الذي تصل صفحاته إلى نحو مائتي وخمسين من القطع المتوسط، بعبارة دالة يقول فيها: “اختار عمار علي حسن الإبداع توأماً لحياته، فتفرغ له ومنحة عمره ووقته وجهده وعرقه، فأوفى لما أوتمن عليه وقدّم عدداً من الأعمال الإبداعية في الرواية والقصة والدراسات النقدية والاجتماعية والفكرية والتراجم وغيرها ذات إيقاع خاص به ورؤية فنية جديرة بالتوقف أمامها بالنقد والتحليل.”

وسعى عبد الوهاب في كتابه إلى الموضوعية ما يقر ابتداء في مقدمة كتابه حين يقول: “لم أجامل الكاتب، بل قدمت رؤيتي الفنية كما أردت بموضوعية ونزاهة نقدية.”


لم يتناول الكتاب كل أعمال عمار علي حسن إنما توقف عند مجموعة قصص قصيرة جدا له عنوانها “تلال الرماد”، ليقدم مقالًا معمقًا أشبه بدراسة نقدية قصيرة عن رواياته “حكاية شمردل” و”جدران المدى” و”زهر الخريف” و”شجرة العابد” و”سقوط الصمت” و”السلفي” و”جبل الطير” و”باب رزق” و”بيت السناري” و”خبيئة العارف”.
كما تناول الكتاب بالنقد مجموعات قصصية هي “عرب العطيات” و”أحلام منسية” و”التي هي أحزن” و”أخت روحي”، ونصوصا سردية مثل “حكايات الحب الأول” و”مكان وسط الزحام” وهو السيرة الذاتية للكاتب.

اكتمل الكتاب قبل صدور روايات “صاحب السر”، و”احتياج خاص” وثلاثية “ملحمة المطاريد”، وهنا يقول عبد الوهاب: “عمار صاحب قلم سيال فهو غزير الإنتاج وكان من الصعب ملاحقة كتاباته سواء في القصة القصيرة أو الرواية”.
لم يتناول عبد الوهاب أعمال أدبية أخرى للكاتب مثل مسرحية “غريب الحارة” وديواني شعر بعنوان “لا أرى جسدي” و”غبار الطريق”، فضلا عن نصوص حرة مثل: “عجائز البلدة”، و”مقام الشوق” و”قاموس الروح”، فضلا عن رواية نشرت مسلسلة في صحيفة “المصري” اليوم بعنوان “آخر ضوء” ومتتالية قصصية نشرت في موقع “أكاديمية بالعقل نبدأ” بعنوان “سارق ومسروق .. أربعون وجها للص واحد”.

ويمضي عبد الوهاب مفسرًا هذا بقوله: “وقت الدفع بهذا الجزء من الكتاب إلى المطبعة، أعلم أن الكاتب له نصوص أخرى سيدفعها إلى النشر في قابل السنوات، إن شاء الله تعالى، وهي عبارة عن مجموعة قصصية بعنوان “اختفاء حصري”، وروايتين هما “لحوم زرقاء” و”خرائط الفزع” مع الأخذ في الاعتبار أن هذه هي عناوين أولية قابلة للتغيير. وسوف يظهر نقدي لهذه الأعمال في جزء ثان من هذا الكتاب، بإذن الله.”

وكرس الناقد جهده في كتاب “صناعة الدهشة” على كثير من الأعمال الأدبية للكاتب، ولم يتطرق إلى أعماله الأخرى في الفكر والنقد وعلم الاجتماع السياسي والتراجم والتصوف.


ويقول الناقد في مقدمة كتابه هذا: “تناولت في القسم الأول أعماله في مجال القصة القصيرة، ثم الرواية في القسم الثاني، وتفاعلت مع كل عمل على حده منفردا بما يليق للعمل في ذائقتي النقدية بعيداً عن المناهج النقدية فلم أطوّع منهج ما ليمشي مع العمل، ولكن ماذا ترك العمل في وجداني وذائقتي بعد القراءة.”


لم يقيد عبد الوهاب نفسه في هذا الكتاب بنظريات وقوالب نقدية جاهزة، إنما تأمل كل نص على حدة، باحثا عن فكرته المركزية وبنائي أو معماره، والجوانب الفنية التي ينطوي عليها، سواء كان ينتمي إلى “الواقعية السحرية” أو “الواقعية الروحانية” في روايات “شجرة العابد” و”جبل الطير” والسلفي” و”خبيئة العارف” أو “الواقعية الاجتماعية” في “سقوط الصمت” وزهر الخريف” و”جدران المدى” ، بما فيها “الواقعية الفجة” كما تصورها رواية “باب رزق”، أو الرواية التاريخية كما في “بيت السناري”.

ورغم أن الكتاب اتخذ سمتا طوليا، فتناول كل عمل على حدة، فإنه لم يخل من وحدة منهجية، يمكن للقارئ أن يلحظها، إذ عالج الناقد النصوص وفق تصور يحمل قدرا كبيرا من الاتساق والتناغم، رغم اختلاف موضوع كل رواية وكل قصة.

فقد يزاوج عبد الوهاب في رؤاه النقدية بين اكتشاف جماليات النص من داخله، حيث لغة السرد والمجازات والحوار والصور التعبيرية والوصف والغوص في نفوس الشخصيات، وبين السياق الخارجي للنص حيث الحمولات الاجتماعية والإنسانية والعوامل المادية التي تحيط به.

وينطلق عبد الوهاب في كتابه من نقطة ارتكاز يؤسسها بجلاء، حين يقول: “حين يفرض مبدع ملَكَ كلَّ ما يؤهله لأن يلج ميدان الإبداع في مكان واسع ومزدحم بكل ما يخطر ببالك من المبدعين الأصلاء والدخلاء وأنصاف الكتبة، ويفرض نفسه ويشير إلى حضوره ويؤسس لنفسه مكانة مرموقة وسط هذا الزحام الشديد إنما يفرز حقائق وإشارات ما اجتمعت إلا من أجل تأصيل ذلك التمايز الذي عرف به ذلك المبدع على المستوى الإنساني الحضاري، والثقافي التعددي المعرفي، والمستوى الإبداعي الذي انسابت روائعه في فضاءات السرد العربي”
وفي تصوره لمجمل الأعمال التي تناولها بالنقد يرى عبد الوهاب أنها تتسم بوحدة “تتسابق على إنجاز منتج إبداعي لا يخلو من إمتاع ومؤانسة وتطوير وتأصيل وإضافات جديدة ترفد المكتبة العربية كما ترفد الإبداع بكل ما يدعمه ويطوّره.”
وساهمت هذه النظرة إلى مختلف الروايات والمجموعات القصصية التي تناولها عبد الوهاب بالفحص والنقد، في تحديد وجهته العامة حيال كل نص، ناظرا إليه في إطار غيره من النصوص، لاسيما أنه تناول كتابات عماار علي حسن بتسلسلها الزمني، ليقف على تنوع موضوعاتها، واختلاف سياقاتها، وتطور أساليبها.

يشار إلى أن فرج مجاهد عبد الوهاب كاتب وناقد مصري عضو اتحاد الكتاب ونادي القصة وجمعية دار الأدباء ورابطة الأدب الإسلامي العالمية، ورأس تحرير مجلتي “أفنان” و”ترانيم” وهو نائب رئيس تحرير مجلة “القصة”، ونشرت مقالاته النقدية في عدد من الصحف والمجلات والدوريات العربية.
صدرت لمجاهد ثلاث مجموعات قصصية هي “هذا العبث”، و”أحلام عاجزة”، و”ألوان الوجع”.

وصدر له في أدب الأطفال كتاب بعنوان “ذكاء ابن الملك” عن المركز القومي لثقافة الطفل في مصر.
أما في مجال النقد فقد صدرت له كتب “رحيق الكلمة” و”محمد جبريل .. ألق الوجدان المصري”، و”محمد يوسف .. الفقراء أخوتي”، و”السرد في جزيرة الورد”، و”السرد والمدى الممتد.. قراءات في القصة والرواية”، و”مسافة للممكن ..مساحة للإبداع”، و”تشكيلات ورؤى.. قراءة في سرد الدكتور عمر عبد العزيز”، و”نوستولوجيا الوجوه في الرواية السعودية”، و”قراءات ورؤى في السرد التونسي المعاصر”، و” السرد الحاوي … تأملات نقدية في الرواية المصرية.”، فيما شارك مع آخرين في إصدار أربعين كتابًا نقديًا في القصة والرواية والتراجم.
كتبت عن قصص مجاهد وجهده النقدي عشرات الدراسات والمقالات لأدباء ونقاد مثل فؤاد حجازي ومحمد جبريل وسعيد يقطين وربيع مفتاح وفكري داود، والدكتور حسين علي محمد، والدكتور شعبان عبد الحكيم، والدكتور نادر عبد الخالق، والناقد السوري محـمد غازي تدمري، والسعودي عبد الحفيظ الشمري.
ولفرج مجاهد عبد الوهاب، الذي يعيش في الدقهلية، كتب تحت الطبع عبارة عن رواية بعنوان “يوم الدبق” وأعمال نقدية مثل “محمد رجب البيومي ..حياته وأدبه”، و”تجليات الحرف والكلمة”، و”على شلش.. رحلة الإبداع والنقد”، و” قراءات في السرد المصري .. نقد تطبيقي”، و”فؤاد حجازي أديب الجماهير المقاوم”.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى