القانون المرتقب يفجر أزمة: مستأجرون مهددون وملاك ينتظرون نهاية عقود الإذلال

أشعل قانون الإيجار القديم فتيل أزمة جديدة بين الملاك والمستأجرين في مصر، بعدما اقترب البرلمان من حسم مصير العلاقة الإيجارية التي امتدت لعقود بثمن زهيد.
بين أحكام قضائية صارمة ومطالب مجتمعية متباينة، يقف الوطن أمام منعطف تشريعي تاريخي يعيد توزيع الحقوق تحت وطأة الانفجار السكاني والاقتصاد المنهك
برلمان يلهث لإرضاء الدستور .. وملف مشتعل يرفض التأجيل
أكد المهندس أحمد السجيني، رئيس لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، أن البرلمان يخوض سباقًا مع الزمن من أجل إصدار قانون عادل للإيجار القديم، تنفيذًا لحكم المحكمة الدستورية الذي أسقط شرعية الإيجار الثابت للمساكن.
وأوضح السجيني أن هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة خلال الثلاثة أشهر القادمة، أولها تقديم الحكومة مشروع قانون شامل، والثاني أن يتولى البرلمان الأمر بنفسه، والثالث – وهو الأكثر خطورة – أن يتحول النزاع إلى المحاكم، مما يفتح أبوابًا لا حصر لها من القضايا والتعقيدات القانونية والاجتماعية.
قنبلة موقوتة: 3 ملايين وحدة تحت سطوة “الإيجار الأبدي”
أشار المهندس سامي رمزي، خبير التخطيط العمراني، إلى أن هناك ما لا يقل عن 3.2 مليون وحدة سكنية في مصر خاضعة لقانون الإيجار القديم، تمثل عبئًا هائلًا على السوق العقاري وتمنع استغلال الموارد السكنية بشكل عادل.
وأضاف رمزي أن هذه الوحدات –التي تتركز في قلب المدن الكبرى كالقاهرة والإسكندرية– تحرم المالك من حقه الأساسي في الانتفاع بممتلكاته، بينما يقطنها مستأجرون بدفع إيجار لا يتجاوز 10 جنيهات شهريًا في بعض الحالات.
ملاك يعيشون على الهامش .. وعقارات تآكلت دون تطوير
أوضح أحمد فوزي عبدالمجيد، مالك عقار بمنطقة شبرا، أن العمارة التي يمتلكها، والمكونة من 5 طوابق تضم 20 وحدة سكنية، تُدر عليه دخلاً شهريًا لا يتعدى 150 جنيهًا منذ أكثر من ثلاثين عامًا، بسبب قانون الإيجار القديم.
وأضاف أن هذا المبلغ لا يكفي حتى لصيانة المصعد، فضلًا عن تكاليف إصلاح المواسير أو الكهرباء، ما أدى إلى تدهور حالة العقار بشكل مأساوي، حتى بات يشكل خطرًا على السكان والمارة.
مستأجرون قلقون: هل نُطرد بعد عقود من السكن؟
نوهت منى عبدالرؤوف خليل، ربة منزل تقطن في شقة إيجار قديم منذ عام 1982، إلى أنها تشعر برعب شديد من أن تجد نفسها وأسرتها في الشارع، بعد أن أصبحت عجوزًا غير قادرة على العمل، وتعتمد على معاش قدره 2400 جنيه فقط شهريًا.
وأكدت أن علاقتها بجيرانها الملاك جيدة، لكنهم بدأوا يلمحون إلى اقتراب موعد “الخروج”، وهو ما يزيد شعورها بالتهديد والخوف.
العدالة الغائبة: كيف يملك شخص ولا يستطيع استرداد ملكه؟
أشار المحامي حسام الدين عبدالهادي، المختص في النزاعات العقارية، إلى أن قانون الإيجار القديم يعد من أكثر التشريعات المجحفة في تاريخ مصر، حيث جرد المالك من حقه في إدارة ممتلكاته، وخلق علاقة غير متوازنة قانونيًا، مستمرة لعشرات السنين، دون تحديث أو مراجعة.
وأكد أن حكم المحكمة الدستورية الأخير أعاد الأمور إلى نصابها، لكنه وضع الدولة أمام التزام تشريعي عاجل، يجب أن يُحسم قبل يوليو 2025.
حلول متباينة .. وصندوق دعم الفئات المتضررة في الأفق
أفاد محمد وفيق عزت، وكيل لجنة الإدارة المحلية بالبرلمان، بأن هناك مقترحات متعددة قيد الدراسة أبرزها تحرير العلاقة الإيجارية تدريجيًا خلال مدة تتراوح بين 3 إلى 5 سنوات.
وأوضح أن المشروع يتضمن إنشاء صندوق دعم للفئات التي لن تستطيع تحمل الزيادة في الإيجارات، لضمان عدم تشريد أي أسرة مصرية، وتحقيق التوازن بين حق السكن وحق الملكية.
خبراء اقتصاد: الإيجارات القديمة تُفقر السوق العقاري وتمنع التوسع
أكدت الدكتورة هالة المليجي، أستاذ الاقتصاد بإحدي الحامعات، أن استمرار عقود الإيجار القديمة يؤدي إلى تشوهات كبيرة في سوق العقارات بمصر، ويحد من دخول الاستثمارات الجديدة في القطاع السكني.
ولفتت إلى أن نسبة كبيرة من هذه العقارات لا تُباع ولا تُشترى، لأنها لا تحقق عائدًا مناسبًا، وهو ما يُفقد السوق ما يقرب من 60 مليار جنيه سنويًا من القيمة المحتملة.
عقارات ميتة .. وملايين المحرومين من الاستفادة
أوضحت سلوى عبدالحليم السيد، خبيرة الإسكان والمجتمعات العمرانية، أن هناك أكثر من 2 مليون شقة مغلقة رغم أنها خاضعة للإيجار القديم، حيث توفي المستأجرون الأصليون،
ويمنع القانون الملاك من استعادتها. وأشارت إلى أن هذا الوضع يُعد إهدارًا لمورد استراتيجي في بلد يعاني من أزمة سكنية حادة.
دعوات للتدرج: الموازنة بين العدالة الاجتماعية والحق القانوني
أكد عصام مرسي عبدالغفار، مستشار سابق، أن الحل الأنسب يجب أن يكون توافقيًا بين الطرفين، بحيث لا يُطرد مستأجر من منزله بشكل مفاجئ،
وفي ذات الوقت يُعطى المالك حقه تدريجيًا، من خلال آليات مثل “زيادة سنوية ثابتة”، أو “تحرير تدريجي” في العقود، أو حتى منح المستأجرين فرصة لشراء الوحدة بنظام ميسر يمتد لـ 10 سنوات.
أصوات من الميدان: لا نريد طرد أحد .. فقط العدالة
شددت نجلاء توفيق كامل، مالكة لعقار ورثته عن والدها منذ أكثر من 25 عامًا، على أنها لا ترغب في طرد المستأجرين، لكنها تريد حلاً يُنصفها.
وأكدت أن القيمة الإيجارية لشقتها المؤجرة منذ 1978 هي 12 جنيهًا فقط، في حين أن القيمة السوقية الآن تفوق 4000 جنيه شهريًا، مضيفة أنها غير قادرة على تأجير أو بيع أو حتى ترميم الوحدة دون إذن المستأجر، مما يجعلها “أسيرة ممتلكاتها”.
جيل جديد من الملاك .. الغضب يتصاعد والوقت ينفد
أوضح يوسف مجدي مرجان، شاب ورث عقارًا مكونًا من 10 شقق، أن دخله من جميع الوحدات لا يتجاوز 350 جنيهًا شهريًا، رغم أن سعر الشقة الواحدة في المنطقة يبلغ 1.2 مليون جنيه.
وأكد أن هذا الوضع يدفعه للتفكير في بيع العقار بالكامل بسعر بخس، هروبًا من “لعنة قانون لا يعترف بحق الملكية”.
الشارع منقسم: بين حقوق تاريخية وواقع اقتصادي لا يُرحم
أكدت استطلاعات رأي ميدانية أن الشارع المصري منقسم بشدة بشأن القانون. ففي حين يرى البعض أن الملاك محقون في مطالبهم، يتمسك آخرون بحقوق المستأجرين الذين عاشوا في تلك الوحدات لعقود،
واعتبروها موطنًا لا يمكن التخلي عنه بسهولة. بينما تبرز أصوات شبابية جديدة تطالب بحلول مبتكرة تضمن العدالة دون أن تسحق أحد الطرفين.
توشك ساعة الحسم على الاقتراب. وبين معادلة يصعب توازنها بين العدل والرحمة، يقف قانون الإيجار القديم على أعتاب تعديل حاسم،
قد يعيد كتابة تاريخ السكن في مصر. فهل ينجح المشرع في فض الاشتباك المزمن بين المالك والمستأجر؟ أم تظل الأزمات تتوالد في صمت؟