هدم مقابر القاهرة التاريخية يشعل الغضب بعد إزالة معالم عمرها قرون

بدأت السلطات في تنفيذ سلسلة من عمليات الإزالة داخل مناطق مقابر القاهرة التاريخية في إطار مشروع تطوير مروري يستهدف إنشاء محور بديل لطريق صلاح سالم يتضمن مواقف سيارات متعددة الطوابق لخدمة الزائرين للمنطقة السياحية المقابلة لمقابر باب النصر
أوضحت الصور التي تم تداولها مؤخراً بدء أعمال هدم شملت معالم تاريخية تعود لمئات السنين من بينها القبة الأثرية التي تضم رفات العالم المصري الشهير في مجال الفلك محمود باشا الفلكي الذي عاش بين عامي 1815 و1885 وترك بصمة علمية كبيرة في تاريخ العلوم الحديثة في مصر والمنطقة العربية
استكملت السلطات إزالة قبة نام شاز قادن وهي والدة الأمير محمد عبد الحليم نجل محمد علي باشا كما طالت الإزالات مئذنة خانقاه قوصون التي ترجع إلى عصر المماليك في أحد أقدم أحياء القاهرة حيث يمتد تاريخها إلى قرون مضت وتحمل طابعاً معمارياً نادراً
واصلت الجرافات تحركها في مناطق متعددة من مقبرة الإمام الشافعي الشهيرة إضافة إلى تنفيذ إزالات في مقبرة سيدي جلال بمنطقة السيدة عائشة حيث تبين أن أغلب المقابر المتضررة يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر الميلادي بينما تعود أخرى إلى الحقبة العثمانية
استهدفت الخطط الحكومية إنشاء محور مروري جديد يمتد من طريق صلاح سالم حتى محور الحضارات ويمر عبر مناطق تاريخية مأهولة بمقابر ومزارات أثرية حيث حددت السلطات مدة زمنية لا تتجاوز ثلاثة أشهر لإزالة جسر السيدة عائشة بالكامل كجزء من المشروع
ناقضت تلك التحركات الحكومية الوضع القانوني لهذه المواقع التي تصنف كمناطق تراث عالمي وفقاً لتقديرات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة حيث تنص قوانين البناء في مصر وتحديداً القانون رقم 119 لعام 2008 على حماية هذه المواقع من أي تدخل يغير من طابعها التاريخي أو يهدد معالمها
تعارضت عمليات الهدم أيضاً مع القانون رقم 144 لسنة 2006 الذي ينظم عمليات الهدم والحفاظ على المباني والمنشآت ذات الطابع التراثي غير الآيلة للسقوط والذي يهدف إلى صون الهوية المعمارية لمصر والحفاظ على ذاكرة المجتمع العمرانية
أوقفت محافظة القاهرة الدفن في اثنتين من أشهر مقابر العاصمة وهما مقبرة الإمام الشافعي ومقبرة السيدة نفيسة استجابة لمطالبات بنقل الرفات إلى مقابر بديلة تقع في مدينة العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية وهو ما أثار جدلاً واسعاً بين المواطنين الذين رأوا في القرار مساساً بحرمة الموتى
نفذت الجرافات أعمال إزالة لحوش عتقاء الأمير إبراهيم حلمي المصنف كموقع أثري خاضع لإشراف وزارة الأوقاف كما شملت الأعمال مقبرة الشاعر حافظ إبراهيم الملقب بشاعر النيل لما تحمله من طابع معماري فريد يعكس مراحل تطور العمارة الجنائزية في مصر الحديثة
أعلنت الحكومة في أكتوبر من العام السابق وقف الإزالات التي كانت جارية في محيط مقابر الإمام الشافعي بعد حالة من الجدل الشعبي والتفاعل الواسع على مستوى الرأي العام ما دفع الجهات المختصة إلى إعلان التزامها بالحفاظ على المباني المسجلة كآثار أو تلك المصنفة كمبانٍ تراثية
حددت جهات التخطيط أهدافاً واضحة لإنشاء المحور الجديد ليخدم الحركة المرورية بشكل أكثر كفاءة غير أن موقع المشروع يشمل مناطق تعتبرها الهيئات الدولية والمحلية ذات قيمة ثقافية لا تعوض وهو ما أثار اعتراضات متصاعدة على تنفيذ المشروع في صورته الحالية
طالبت أصوات عديدة بإعادة النظر في تنفيذ المشروع وتغيير مساره حفاظاً على تراث العاصمة الذي يمثل جزءاً لا يتجزأ من ذاكرة الأمة وروحها كما وجهت انتقادات لإزالة المعالم ذات الرمزية التاريخية دون تقديم بدائل تضمن استمرارية الإرث المعماري
اتضح من رصد سير المشروع أن أعمال الهدم تتوسع تدريجياً لتشمل مناطق متفرقة وهو ما يثير القلق حول إمكانية اختفاء عدد كبير من المعالم التاريخية التي ظلت قائمة منذ قرون وتشكل جزءاً من المشهد الثقافي والاجتماعي للقاهرة
استمرت المحافظة في تنفيذ خطوات متسارعة لإتمام المشروع في موعده المحدد دون تقديم خارطة واضحة تبين كيفية الحفاظ على المعالم التراثية التي تمثل كنوزاً معمارية وإنسانية لا يمكن تعويضها في حال تعرضها للإزالة الكاملة
رصد المتابعون للمشهد تنفيذ عمليات الهدم دون الكشف عن نتائج دراسات تقييم الأثر البيئي والثقافي والاجتماعي والتي يفترض إعدادها قبل تنفيذ أي مشروع تطويري يمس مواقع ذات أهمية تراثية أو دينية أو اجتماعية عميقة
أثار مشهد الهدم مشاعر الغضب لدى قطاعات واسعة من المجتمع لما تحمله هذه المقابر من دلالات رمزية متجذرة في الذاكرة الشعبية إذ تضم رفات شخصيات بارزة كان لها دور كبير في تاريخ البلاد الثقافي والسياسي والعلمي
أعرب كثير من المواطنين عن استغرابهم من سرعة تنفيذ الإزالات دون فتح حوار مجتمعي موسع يضمن سماع كافة وجهات النظر المتعلقة بالحفاظ على التراث مقابل متطلبات التطوير العمراني والمروري للعاصمة التاريخية
شكلت المقابر التاريخية في القاهرة واحدة من أبرز المعالم التي تتميز بها المدينة والتي اعتاد الزائرون رؤيتها على مدى عقود طويلة لما تحمله من لمحات فنية ونقوش وزخارف تعكس مراحل مختلفة من تاريخ العمارة الإسلامية والمصرية الحديثة
ظهرت في بعض المناطق المقابلة لمواقع الإزالات كتابات على الجدران تطالب بوقف الهدم فوراً وتدعو الجهات المختصة لإعادة التفكير في المشروع بما يراعي الاعتبارات الثقافية والدينية ويحافظ على هوية القاهرة التاريخية
أكدت تقارير غير معلنة أن إجمالي عدد المقابر المتأثرة بالمشروع يتجاوز 1200 مقبرة تاريخية تقع في نطاق مساحي يبلغ أكثر من 10 كيلومترات مربعة ما يمثل واحدة من أكبر عمليات الإزالة التي تشهدها المناطق التراثية في القاهرة منذ عقود
أشارت الدراسات المعمارية إلى أن بعض القباب والمآذن المتضررة من الإزالات كانت تضم عناصر فنية نادرة كالأعمال الخشبية المزخرفة والأقواس المقرنصة والأحجار المشغولة يدوياً وهو ما يمثل خسارة فنية يصعب تعويضها
استمرت الحملات الرافضة للهدم عبر مختلف منصات التواصل مطالبة بتدخل فوري لإنقاذ ما تبقى من هذه المعالم ومحاسبة الجهات التي أقرت المشروع دون الأخذ بتوصيات المتخصصين في العمارة والتخطيط والحفاظ على التراث
كشفت متابعة ميدانية أن الإزالات شملت مقابر شخصيات علمية وأدبية من بينها عدد من أعلام النهضة المصرية الحديثة في مختلف المجالات الذين سطروا تاريخاً مشرفاً في مجالات الطب والهندسة والفن والدين والعلوم الاجتماعية
لفتت الأنظار إلى أن مناطق المقابر التاريخية ليست مجرد مواقع لدفن الموتى بل تعد سجلاً حياً لتاريخ المدينة وأجيالها المتعاقبة وهي بذلك تشكل أرشيفاً بصرياً ومكانياً للهوية المصرية منذ قرون
أبرزت صور الإزالات حجم الضرر الذي لحق بالمواقع التراثية حيث تظهر مشاهد تدمير لجدران وأحواش مبنية بأحجار قديمة تحمل نقوشاً وزخارف لا توجد لها مثيلات في العمارة الحديثة وهو ما يعكس فقدان جزء ثمين من ذاكرة القاهرة العمرانية
بلغت نسبة الإزالات المنفذة حتى الآن ما يقرب من 70% من الخطة المستهدفة للمشروع بحسب مصادر مطلعة دون أن يتم الإعلان عن خطة واضحة لتعويض هذه الخسائر أو نقل المعالم التي تم هدمها إلى مواقع تحفظها من الاندثار
دعا متخصصون في التراث إلى إدراج هذه المناطق ضمن مشاريع ترميم وتوظيف ثقافي تعزز من مكانتها السياحية والثقافية بدلاً من التعامل معها كعقبات عمرانية ما من شأنه خلق قيمة مضافة للاقتصاد المحلي وتعزيز الانتماء الحضاري
استمرت الجهات المنفذة في التحرك وفق الجدول الزمني المحدد لتنفيذ المشروع حيث تم تحديد مراحل متتالية تشمل إزالة كافة الحواجز والمعوقات البصرية والعمرانية من أجل إنهاء المحور الجديد خلال عام واحد فقط دون التأخر عن الموعد المقرر
أثار غياب الشفافية في طرح بدائل أو مناقشة تأثير المشروع على السكان والمجتمع المحلي العديد من علامات الاستفهام بشأن مدى تحقيق التوازن بين التطوير العمراني والحفاظ على القيم الثقافية والتراثية التي تشكل روح المكان
طالب خبراء في العمران بضرورة إعداد قاعدة بيانات رقمية توثق جميع المعالم التي تم إزالتها أو تلك المهددة بالزوال كخطوة أولى نحو حماية ما تبقى من ذاكرة العاصمة البصرية والمعمارية وتجنيب المدينة خسارة المزيد من هويتها