مقالات وآراء

د.محمد عماد صابر يكتب: دور الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي تجاه غزة.. بين الواجب الديني والمسؤولية السياسية.

تعيش غزة اليوم واحدة من أكثر مراحلها التاريخية دمويةً ووحشية، في ظل عدوان صهيوني ممنهج يستهدف الإنسان، الأرض، والمقدسات، ويأخذ طابعاً تصفوياً يقترب من الإبادة الجماعية. أمام هذا الواقع، تبرز الحاجة لتحليل دور الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي، باعتبارها من أهم الفواعل السياسية والاجتماعية والدينية في المجتمعات المسلمة، والتي لطالما ارتبطت بالقضية الفلسطينية في الوعي والخطاب والممارسة.

أولاً: الخلفية الفكرية والشرعية لدور الحركات الإسلامية.
ترى غالبية الحركات الإسلامية أن القضية الفلسطينية ليست شأناً قومياً فحسب، بل هي واجب شرعي وأخلاقي، ينبع من موقع القدس في العقيدة الإسلامية، ومن مبدأ “نصرة المستضعفين” الذي يُعدّ من مقاصد الشريعة. وتُشكل غزة- باعتبارها خط الدفاع الأول عن القدس- محوراً أساسياً في خطاب هذه الحركات، ومن ثم فإن دعمها واجب لا يسقط بالتقادم ولا يتغير بتبدل المصالح.

ثانياً: مواقف عملية للحركات الإسلامية تجاه غزة.
رغم اختلاف ظروفها بحسب البلدان، قدّمت بعض الحركات الإسلامية نماذج فاعلة في دعم غزة، نذكر منها:

  • حركة النهضة في تونس: التي لعبت دوراً سياسياً في دعم الحق الفلسطيني داخل البرلمان، وتنظيم حملات إغاثة شعبية.
  • الإخوان المسلمون في الأردن ومصر والمغرب: الذين نظموا وقفات ومسيرات ضخمة على مر السنوات، وشاركوا في تأسيس لجان مقاومة للتطبيع.
  • حزب العدالة والتنمية في تركيا: الذي استخدم أدوات الدولة، قبل تراجعه لاحقاً، للضغط على الاحتلال، كما في حادثة سفينة “مرمرة” عام 2010.
  • حركات المقاومة في لبنان والعراق وإيران: التي تقدم دعماً لوجستياً وميدانياً لبعض فصائل المقاومة في غزة.

ثالثاً: التحديات والمعوقات.
رغم هذه الجهود، إلا أن الحركات الإسلامية تواجه جملة من التحديات:

  • الاستهداف السياسي والأمني من قبل الأنظمة، خصوصاً بعد موجات “الثورات المضادة” التي أعقبت الربيع العربي.
  • محاولات العزل الإعلامي وتشويه صورتها، وربطها زيفاً بالتطرف والإرهاب لتجريم مواقفها.
  • تفكك الموقف الإسلامي العام، نتيجة الاختلافات العقائدية والسياسية بين بعض الفصائل الإسلامية في المنطقة.

رابعاً: وسائل التحرك الفعلي على الأرض.
في ظل هذا الواقع، هناك عدد من الوسائل التي يمكن للحركات الإسلامية تفعيلها، لتأدية دورها تجاه غزة بشكل عملي ومؤثر:

1- الحراك الشعبي المنظم:

  • تنظيم مسيرات جماهيرية دورية تُظهر الرفض الشعبي للعدوان وتضغط على الحكومات.
  • إطلاق حملات مقاطعة اقتصادية وإعلامية موجهة نحو الدول والشركات الداعمة للاحتلال.
    2- التأثير في النخب والرأي العام.
  • تفعيل مراكز الأبحاث والمنصات الإعلامية الإسلامية لتقديم خطاب موجه ومؤثر يوضح أبعاد الإبادة والتهجير.
  • دعم الرموز الدينية والفكرية لإصدار مواقف موحدة تحشد خلفها جمهوراً واسعاً.
    3- العمل السياسي والقانوني.
  • الدفع باتجاه استجواب الحكومات والضغط البرلماني لوقف أي تعاون مع الكيان الصهيوني.
  • التعاون مع منظمات حقوقية دولية لرفع قضايا قانونية ضد الاحتلال بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
    4- الدعم الإغاثي والمؤسسي.
  • إنشاء وتوسيع صناديق إغاثية مستقلة لدعم غزة في مجالات الغذاء والدواء وإعادة الإعمار.
  • تبنّي مبادرات تعليمية وصحية تدعم صمود المجتمع المدني في غزة.

خامساً: أهمية العمل المشترك.
تُعدّ المرحلة الحالية فرصة لإعادة بناء شبكات تنسيق بين الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي، تتجاوز الخلافات، وتجمعها القضايا الكبرى مثل فلسطين. ويتطلب ذلك:

  • إنشاء مجلس تنسيقي إسلامي عالمي لنصرة فلسطين وغزة.
  • إطلاق ميثاق إسلامي ضد التطبيع يُوقع من الحركات والعلماء والمؤسسات.
    خاتمة: إن الحركات الإسلامية أمام مسؤولية تاريخية ومفصلية تجاه ما يجري في غزة. القضية لم تعد قابلة للتأجيل أو المجاملة، وهي اليوم معيار لصدق الشعارات، واختبار للوعي والالتزام، وفرصة لإحياء روح الأمة من جديد. وما لم تتحول هذه الحركات من حالة التفاعل الموسمي إلى التحرك المؤسسي المستدام، فإن الاحتلال سيمضي في مشاريعه دون رادع.
المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى