حقوق وحرياتملفات وتقارير

وفاة مروعة لمعتقل بسجن بدر تشعل تمردًا واسعًا واحتجاجات دامية

أشعلت واقعة انتحار معتقل داخل سجن بدر 3، فتيل أزمة جديدة داخل السجون المصرية، بعدما تصاعدت مؤشرات الانتهاكات وارتفعت أعداد الوفيات بشكل غير مسبوق. تسببت الحادثة في تمرد جماعي داخل الزنازين، وأثارت غضبًا شعبيًا واسعًا.

صرخة من الأعماق: انتحار مأساوي لمعتقل شاب يهز مصر

أكد مركز الشهاب لحقوق الإنسان – مركز حقوقي مستقل – أن المعتقل المصري علاء جمال، البالغ من العمر 29 عامًا، أقدم على الانتحار داخل زنزانته الانفرادية بسجن بدر 3، بعد تعرضه لسلسلة من الانتهاكات، شملت منعه من الزيارة ومصادرة متعلقاته، والتنكيل به على يد عناصر الأمن.

أوضح المركز أن جمال، المنحدر من محافظة المنيا، لم يكن يعاني من أمراض نفسية، بل عبّر مرارًا عن معاناته النفسية نتيجة الضغوط الهائلة، مهددًا بإنهاء حياته حال استمرار التنكيل، وهو ما تجاهله المسؤولون.

أشار المصدر إلى أن الضابط مروان حماد، الضابط المسؤول في جهاز الأمن الوطني، تعمّد منع الزيارة عن جمال لشهور، ثم رفض إدخال الأطعمة والمستلزمات التي جلبها له ذووه. وبعد نقله إلى الزنزانة الانفرادية، تم العثور عليه مشنوقًا، في واقعة وصفها حقوقيون بـ القتل البطيء.

احتجاجات مشتعلة وإضراب عام يشعل سجن بدر

أوضح محمود العربي، ناشط حقوقي، أن حالة من التمرد العارم اندلعت بين السجناء بعد انتشار نبأ وفاة علاء جمال. وأضاف أن العشرات دخلوا في إضراب عن الطعام، بينما قام آخرون بإشعال النار في البطاطين احتجاجًا على الأوضاع القاسية.

أكد العربي أن قوات التدخل السريع اقتحمت الزنازين فجر اليوم التالي، واعتدت بعنف على المضربين، ونقلت بعضهم إلى أماكن مجهولة، ما يزيد من غموض المصير المنتظر لهم. أشار إلى أن هذه الوقائع لم تكن الأولى، بل تأتي ضمن سلسلة انتهاكات متكررة.

تعذيب مروّع يسبق الموت: شهادة تكشف حجم المأساة

أكدت أميرة رشدي، ناشطة حقوقية، أن الأخبار التي تسربت من الداخل تفيد بتعرض علاء جمال لتعذيب نفسي متواصل، خاصة بعد تهديده بالانتحار. وأوضحت أن هناك تعليمات صارمة من القيادات الأمنية بمنع أي تسريب لما يحدث داخل الزنازين.

أشارت رشدي إلى أن الضغوط على المعتقلين تتزايد مع منع الزيارات، والإهمال الطبي المتعمد، والحرمان من التريض، وهو ما يؤدي إلى تدهور حالتهم الصحية والنفسية. ونوهت إلى أن حياة شقيقها باتت مهددة نتيجة تعنت إدارة السجن.

أرقام صادمة: الوفيات تتزايد بشكل غير مسبوق

نوه خالد صبري، الباحث في شؤون السجون، إلى أن سجن بدر 3 شهد خلال العام الماضي فقط وفاة ما لا يقل عن 9 معتقلين، تراوحت أسباب الوفاة بين الانتحار، والإهمال الطبي، والتعذيب البدني، بحسب تقارير حقوقية موثوقة.

أوضح صبري أن المعتقل محمد هلال البالغ من العمر 32 عامًا، كان آخر الضحايا قبل علاء جمال حسبما جاء في تقرير حقوقي، حيث نُقل في حالة غيبوبة إلى مستشفى قصر العيني، وتُوفي هناك بعد إصابته بكسور في الجمجمة واليدين، ونزيف داخلي حاد، يُشتبه في أنه ناتج عن تعذيب شديد.

حرمان قانوني متعمد: لا زيارات ولا محاكمات دورية

أكدت منى حسين، المحامية والناشطة في مجال حقوق الإنسان، أن أغلب المعتقلين بسجن بدر 3 محرومون من حقوقهم القانونية الأساسية، وأبرزها العرض الدوري على المحكمة للنظر في تجديد حبسهم.

أوضحت حسين أن التعتيم الإعلامي على ما يحدث داخل السجن متعمد، حيث يتم تهديد المحامين بعدم الحديث عن الانتهاكات. كما يتم التلاعب بتوقيتات الجلسات لضمان عدم حضورهم أو تأجيلها دون علمهم.

نداء عاجل: هل يتحرك النائب العام؟

طالب ياسر عبد الستار، الباحث القانوني، النائب العام المستشار محمد شوقي عياد بفتح تحقيق فوري وشامل في ملابسات وفاة علاء جمال، ومحاسبة المتورطين، مشيرًا إلى أن التجاوزات في سجن بدر لم تعد فردية بل ممنهجة.

أوضح عبد الستار أن القانون المصري يكفل للمعتقلين الحد الأدنى من المعاملة الإنسانية، مشيرًا إلى أن ما يحدث يمثل انتهاكًا صارخًا للمواثيق الدولية، ويهدد سمعة مصر الحقوقية على المستوى الدولي.

قنبلة موقوتة: الزنازين تمتلئ باليأس والإهمال

أشارت ليلى عوض، الباحثة في علم النفس الاجتماعي، إلى أن السجون المصرية أصبحت بؤرًا لتفاقم الاضطرابات النفسية، بسبب القمع المتواصل والإهمال، مما يؤدي إلى تكرار حالات الانتحار.

أوضحت عوض أن الانعزال التام داخل الزنازين، وسوء المعاملة، ومنع التهوية، والحرمان من التواصل مع الأهل، كلها عوامل تخلق بيئة خصبة للانهيار النفسي. وأكدت أن ما حدث مع علاء جمال قد يتكرر في أي لحظة مع معتقل آخر.

معركة البطاطين: تفاصيل ما جرى داخل الزنازين

أكد حسام حنفي، ناشط حقوقي، أن إشعال البطاطين لم يكن عشوائيًا بل رسالة احتجاج صارخة. وأوضح أن عشرات المعتقلين قاموا بإحراق الأغطية تعبيرًا عن اليأس والاحتجاج على الانتهاكات.

أشار حنفي إلى أن القوات تعاملت مع الحادثة بوحشية شديدة، وتم نقل بعض المعتقلين إلى زنازين تأديبية بلا طعام أو ماء لمدة 48 ساعة، ما يزيد من خطورة الوضع الإنساني داخل السجن.

مخطط خنق الأصوات: السجن يتحول إلى مقبرة صامتة

نبه أيمن عبد الحميد، الناشط السياسي، إلى أن ما يجري داخل سجن بدر هو جزء من سياسة أوسع تهدف إلى “إخراس” أي صوت معارض عبر معاقبة المعتقلين سياسيًا ونفسيًا.

أوضح عبد الحميد أن حالة علاء جمال ليست إلا مثالًا على ما يتعرض له المئات يوميًا، حيث يتم استخدام التعذيب النفسي والبدني كأداة لكسر الإرادة، في ظل صمت رسمي وتحايل قانوني ممنهج.

دماء تحت الجدران: قصص لا تصل إلى الخارج

أوضح إبراهيم فتحي، ناشط حقوقي، أن كثيرًا من القصص المأساوية داخل سجن بدر لا تجد طريقها إلى الإعلام بسبب التعتيم الأمني، وتقييد الحركة على أسر المعتقلين.

أكد فتحي أن السلطات الأمنية تمنع الأسر من التصريح لوسائل الإعلام، وتضيق على المحامين الحقوقيين، لخلق عزلة كاملة للسجناء عن العالم الخارجي، ما يزيد من صعوبة توثيق الانتهاكات.

ملف أسود: أين لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان؟

أكدت إيمان نبيل، ناشطة حقوقية، أن لجنة حقوق الإنسان في البرلمان لم تحرك ساكنًا تجاه ما حدث في سجن بدر. وأوضحت أن اللجنة تتلقى شكاوى عديدة منذ سنوات، دون أن تتخذ أي إجراء فعلي.

أشارت نبيل إلى أن دور اللجنة يجب أن يكون رقابيًا وتشريعيًا، لكنها باتت أشبه بكيان صامت يبارك التجاوزات. وتساءلت: إلى متى سيستمر هذا الصمت في ظل تزايد الوفيات والانتهاكات داخل السجون؟

صورة قاتمة: هل بات الانتحار هو السبيل الوحيد؟

أعرب جمال الدسوقي، أستاذ علم الاجتماع، عن قلقه العميق من أن تتحول السجون إلى مقابر نفسية للمعتقلين. وأوضح أن الانتحار أصبح لدى البعض وسيلة وحيدة للخلاص من الجحيم اليومي داخل الزنازين.

نوه الدسوقي إلى أن تصاعد وتيرة الانتحار في السجون يعكس خللاً كارثيًا في المنظومة العقابية، مطالبًا بتدخل عاجل من منظمات المجتمع المدني، وإعادة النظر في فلسفة العقوبة والإصلاح.

تتوالى الكوارث داخل السجون المصرية، لكنّ صوت الضحايا لا يجد طريقه للعدالة. يبقى السؤال: هل ستظل صرخات المعتقلين حبيسة الزنازين، أم يتحرك الضمير الإنساني لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى