ملفات وتقارير

في ظل فقر مدقع…نساء ايرانيات يقمن ببيع شعورهن.. شراء وبيع شعر الرأس في ايران

كتبت / منار فيصل و ياسمين حجو
في خضمّ الضجيج الإعلامي والسياسي الذي أثارته المحادثات الجارية بين النظام الإيراني والإدارة الأميركية، تبدو الساحة الداخلية لإيران وكأنها على فوهة بركان. الوضع الاقتصادي بات بالغ الخطورة، والاحتقان الشعبي يتصاعد بشكل غير مسبوق. وهذا الانفجار الاقتصادي الداخلي، على الأرجح، أحد الدوافع الرئيسية التي أجبرت طهران—رغم كل شعاراتها العدائية السابقة—على الجلوس إلى طاولة التفاوض. ومما يعبّر عن هذا الانهيار، مشهدٌ صادم ومؤلم يتمثل في لجوء النساء الإيرانيات إلى بيع شعورهن كوسيلة للبقاء.
في الأزقة المزدحمة وسط العاصمة الإيرانية، وعلى جدران الجامعات والمحلات التجارية، لم تعد الإعلانات تتحدث فقط عن الخصومات والعروض، بل هناك ملصقات جديدة تقول: “نشتري شعرك الطبيعي، نقدًا!”.

في بلدٍ يملك ثاني أكبر احتياطي من الغاز في العالم، وأحد أكبر مصادر النفط، تضطر النساء إلى بيع خصلات شعرهن لتأمين احتياجاتهن الأساسية. إنها ليست قصة من الخيال، بل واقع مرّ تعيشه شريحة واسعة من النساء الإيرانيات اليوم، وسط صمت داخلي وتجاهل دولي.

سوقٌ ساخن لبيع شعر النساء: 20 مليون تومان مقابل 50 سنتيمترًا من الشعر في ايران !

هذه الظاهرة—التي كانت يومًا نادرة وتُعتبر من المحرمات الاجتماعية—تحوّلت إلى تجارة نشطة، تقودها الحاجة وتغذّيها مافيات غير رسمية من السماسرة وصالونات التجميل، في ظل انعدام الرقابة أو التشريع.
بحسب تقرير أصدرته لجنة المرأة في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، فإن السوق السوداء لشراء الشعر في إيران تشهد توسعًا غير مسبوق، لا سيما في مناطق مثل فردوسي، منوچهري، كوچه برلين، وجمهوري في طهران. ويُقدّر سعر الشعر حسب طوله، حجمه، حالته، وحتى عمر صاحبته. الشعر الطويل، غير المصبوغ، الكثيف، قد تصل قيمته إلى مئة مليون تومان (ما يعادل أكثر من 2000 دولار).
ولكن هذا السوق ليس مجرد تجارة بسيطة، بل انعكاس خطير لانحدار الواقع الاجتماعي. فمعظم البائعات هنّ نساء معيلات، طالبات جامعيات، أو حتى فتيات في سن المراهقة. ووفقًا لتقارير محلية، فإن بعض السماسرة يدفعون مبالغ أعلى مقابل شعر الأطفال تحت سن 16 عامًا، في استغلال فجّ للطفولة والفقر.
الظروف الاقتصادية التي دفعت بهؤلاء النساء إلى هذا الخيار القاسي ليست ظرفية، بل نتيجة تراكم سنوات من سوء الإدارة، الفساد، والعزلة الدولية التي يفرضها النظام الإيراني على نفسه. ومع ارتفاع نسبة البطالة وتآكل الطبقة الوسطى، أصبحت النساء، كالعادة، أولى ضحايا الانهيار.
ومما يزيد الوضع سوءًا، هو غياب قوانين واضحة تحمي النساء في هذا النوع من التعاملات. فالكثيرات يتعرضن للخداع من قبل الوسطاء، أو لا يحصلن على السعر العادل لشعرهن، بينما يربح الآخرون—صالونات فاخرة في شمال طهران أو مستوردون في الخليج—أضعاف تلك المبالغ.

سوقٌ ناشط لشراء وبيع الشعر: من 200 إلى مليون و500 ألف توما في ايران!

ومن اللافت أن الطلب على الشعر الطبيعي قد ارتفع مؤخرًا، تزامنًا مع انتشار موضة “الإكستنشن”، وخصوصًا خلال الأعياد والمناسبات كعيد النوروز. وهو ما ساهم في توسع السوق، لكنه لم يُترجم إلى مكسب عادل للبائعات.
لكنّ الجانب الأكثر إيلامًا في هذه القصة، هو البُعد النفسي والثقافي. في مجتمعٍ يُقدّس الشعر كرمز للأنوثة والجمال، تشعر المرأة التي تضطر لقص شعرها من أجل المال بالخزي والعار. وغالبًا ما تخفي السبب الحقيقي، مدعية أنها قررت تغيير مظهرها. إلا أن الحقيقة تكون أحيانًا أقسى بكثير: “لقد بعت شعري لأشتري دواءً لأمي، أو لأدفع إيجار البيت.”
تحت هذا السطح الهادئ، هناك موجة من الألم، لا تُرى بالعين المجردة. إنها قصة الجسد الأنثوي حين يتحوّل من كيانٍ حيٍّ مستقل، إلى وسيلة للبقاء في وجه الإهمال الحكومي والانهيار الاقتصادي.
النظام الإيراني الذي بنى سلطته على قمع المرأة واستبعادها من الحضور الفاعل، لم يُوفّر أي دعم أو بديل. وهكذا، تجد النساء أنفسهن مجبرات على الاتجار بجزء من أجسادهن ليبقين على قيد الحياة، في ظل دولة غنية تنفق أموالها على القمع والتسلح بدلًا من دعم أبنائها.
ليس بيع الشعر مجرد قصة عن الفقر، بل هو مرآة تعكس عمق المأساة التي تعيشها النساء في إيران. إنهن يبعن الصمت، الخجل، والكرامة، في خيوط من الحرير الأسود، لا ليصبحن أجمل، بل فقط ليبقين على قيد الحياة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى