ارتفاعات كارثية في أسعار اللقاحات في مصر: المواطنين في مرمى أزمة صحية ضخمة

منذ بداية العام الجاري، شهدت مصر قفزات غير مسبوقة في أسعار اللقاحات، ما أثر بشكل كبير على قدرة المواطنين في الحصول على اللقاحات الضرورية لأطفالهم.
الارتفاعات المتزايدة في الأسعار وعدم توافر بعض اللقاحات جعلت العديد من الأسر المصرية في مواجهة تحديات صحية ضخمة، مما يزيد من تعقيد الوضع الصحي في البلاد.
أسعار اللقاحات في تصاعد مستمر: أزمة تهدد الصحة العامة
أوضح الدكتور أحمد سمير، أستاذ الطب الوقائي في إحدي الجامعات، أن “الزيادة الكبيرة في أسعار اللقاحات كانت نتيجة مباشرة لارتفاع سعر الدولار، حيث أن معظم المواد الخام التي تدخل في تصنيع اللقاحات مستوردة من الخارج”.
وأضاف: “هذه الزيادة تضر بالطبقات المتوسطة والفقيرة، الذين يجدون أنفسهم عاجزين عن توفير اللقاحات لأطفالهم، وهو ما قد يؤدي إلى تفشي الأمراض”.
وتشير الإحصائيات إلى أن أسعار اللقاحات قد ارتفعت بنسبة 40% منذ بداية العام، مما يرفع من تكلفة الجرعات بشكل يفوق قدرة الكثير من الأسر.
غياب اللقاحات: تهديد لأطفال مصر
أكدت مصادر مطلعة أن هناك بعض اللقاحات التي أصبحت غير متوفرة في الأسواق المحلية، مثل لقاح الأجسام المضادة لالتهاب الكبد “ب” ولقاح الجديري المائي.
وأوضح أحد موظفي شركة فاكسيرا قائلاً: “نحن نواجه أزمة كبيرة في تأمين بعض اللقاحات بسبب نقص السيولة المالية، كما أن لقاح الجديري المائي يعاني من نقص عالمي شديد، ونحن أدرجنا فقط 6 آلاف عبوة منذ بداية العام”.
هذه الأزمة تؤدي إلى انتشار القلق بين المواطنين، حيث يواجهون صعوبة في الحصول على اللقاحات الحيوية.
زيادة الأسعار: لا مفر من تحميل المواطن العبء
أشار عماد إبراهيم، المواطن من القاهرة، إلى أن “ارتفاع أسعار اللقاحات ليس مجرد مسألة اقتصادية، بل هو أزمة صحية حقيقية”.
وأوضح: “تطعيم أطفالي ضد التهاب الكبد الوبائي أصبح عبئًا ماليًا كبيرًا. قبل الزيادة الأخيرة، كنت أستطيع دفع 404 جنيهات لتطعيم أحد أطفالي، أما الآن فقد أصبح السعر يصل إلى 578 جنيهًا، وهو ما أصبح مستحيلاً على كثير من الأسر ذات الدخل المحدود”. وأكد أن العديد من الأسر تواجه صعوبة في الحصول على اللقاحات في ظل هذه الزيادة غير المسبوقة.
لقاح الجديري المائي: نقص عالمي يفاقم الأزمة المحلية
أكدت مصادر متخصصة أن لقاح الجديري المائي يعاني من نقص عالمي في الإنتاج، مما يجعل الحصول عليه أمرًا شبه مستحيل.
وقالت الدكتورة فاطمة حسين، أستاذة الأمراض الجلدية، “الجديري المائي من الأمراض المعدية التي يجب تطعيم الأطفال ضدها، ولكن مع النقص الحاد في اللقاح في السوق، يواجه المواطنون صعوبة في الحصول على الجرعات اللازمة”.
وأضافت أن “عدم توفر اللقاحات يعرض الأطفال لخطر الإصابة بالأمراض المعدية التي كان من الممكن الوقاية منها”.
الحكومة: عدم التغطية المجانية بسبب ارتفاع الأسعار
وأوضح مصدر حكومي مسؤول في وزارة الصحة، أن “عدم توفير بعض اللقاحات ضمن البرنامج المجاني للأطفال يرجع إلى ارتفاع أسعارها بشكل كبير، مما يجعل من الصعب تحمل الوزارة لتكاليفها”.
وأشار إلى أن الوزارة تحاول إيجاد بدائل من خلال التفاوض مع الشركات المصنعة للحصول على أسعار أقل، لكن العقبات كبيرة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.
وأضاف: “نحن ندرك تمامًا أهمية هذه اللقاحات، ولكننا نواجه تحديات اقتصادية كبيرة لا تتيح لنا توفيرها بشكل مجاني”.
الشركات المصنعة: ارتفاع الدولار السبب الرئيسي
أشار المهندس محمود يوسف، مدير تسويق بإحدي شركات الأدوية، إلى أن “ارتفاع سعر الدولار كان العامل الرئيسي في زيادة أسعار اللقاحات”.
وأوضح: “نحن نعمل على توفير اللقاحات بأفضل جودة ممكنة، ولكن تكاليف الاستيراد أصبحت مرتفعة جدًا بسبب ارتفاع سعر الدولار، مما انعكس على أسعار اللقاحات”.
وأكد أن الشركة بذلت قصارى جهدها لتوفير اللقاحات، لكنها تواجه تحديات كبيرة بسبب تقلبات السوق العالمية.
نقص السيولة في فاكسيرا: أزمة معقدة
أكدت مصادر مطلعة أن “نقص السيولة المالية في شركة فاكسيرا هو أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى نقص بعض اللقاحات”.
وقال أحد المسؤولين داخل الشركة: “نحن في وضع صعب للغاية، ونعتمد على تمويل محدود لتلبية احتياجات السوق المحلي.
هذا النقص في التمويل يؤثر على قدرة الشركة على استيراد كميات كافية من اللقاحات”. هذه الأزمة تمثل تحديًا كبيرًا للشركة في الوفاء بتعهداتها تجاه المواطنين.
الآثار المترتبة على الصحة العامة
أشار الدكتور محمد عبد العزيز، أستاذ طب الأطفال، إلى أن “عدم توافر بعض اللقاحات في السوق، بالإضافة إلى الارتفاع الكبير في الأسعار، يمكن أن يؤدي إلى تفشي الأمراض المعدية، مما يهدد الصحة العامة بشكل كبير”.
وأضاف: “لا يمكننا إغفال أهمية اللقاحات في الوقاية من الأمراض، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإننا سنشهد زيادة في عدد الإصابات بالأمراض التي كانت قد تم القضاء عليها بفضل التطعيمات”.
نظرة المواطنين: قلق من المستقبل
أكدت إيمان حسن، مواطنة من الجيزة، أن “الارتفاع المستمر في أسعار اللقاحات أصبح يشكل تهديدًا مباشرًا لمستقبل صحة أبنائنا”.
وقالت: “لا أستطيع تحمل تكاليف هذه اللقاحات، ولا أعرف كيف سأتمكن من حماية أطفالي في المستقبل إذا استمرت الأسعار في الارتفاع”.
وأشارت إلى أن العديد من العائلات في المناطق الشعبية يواجهون صعوبة كبيرة في توفير المال اللازم لتطعيم أطفالهم.
السلطات المحلية: دور محدود في حل المشكلة
أوضح يوسف متولي ناشط حقوقي أنه “رغم محاولات السلطات المحلية لتوفير الدعم للمواطنين، إلا أن الأزمة تتطلب تدخلات على مستوى أكبر”.
وأضاف: “في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، لا يمكننا أن نقدم حلولًا فعالة للعديد من الأسر التي تعاني من ارتفاع أسعار اللقاحات”.
وأشار إلى أن هناك حاجة ملحة لتعاون أكبر بين الحكومة والشركات المصنعة لتوفير اللقاحات بأسعار معقولة.
مقترحات لحل الأزمة: ضرورة التنسيق بين الحكومة والشركات
أكد الدكتور خالد شحاتة، خبير اقتصادي، أن “حل هذه الأزمة يتطلب تنسيقًا بين الحكومة والشركات الخاصة، سواء عبر تقديم دعم مالي لتقليل أسعار اللقاحات أو عن طريق التفاوض مع الشركات العالمية للحصول على أسعار أقل”.
وأضاف: “لا بد من اتخاذ إجراءات عاجلة لتوفير اللقاحات بشكل عادل لجميع الفئات الاجتماعية، خاصة الفقراء”. وأشار إلى أن تحسين الأوضاع الاقتصادية في البلاد يمكن أن يساعد بشكل كبير في تخفيف وطأة هذه الأزمة.
إلى أين؟
أوضح المواطنون والمختصون أن الوضع الصحي في مصر يواجه تحديات كبيرة بسبب ارتفاع أسعار اللقاحات ونقصها في السوق.
هذه الأزمة أصبحت تهدد صحة المواطنين، خاصة الفئات الضعيفة التي تجد صعوبة في توفير اللقاحات لأطفالها.
في الوقت الذي تكافح فيه السلطات والشركات لإيجاد حلول لهذه الأزمة، تبقى الأسئلة قائمة: هل ستتمكن مصر من تجاوز هذه الأزمة الصحية؟ وهل ستعود اللقاحات إلى متناول الجميع في القريب العاجل؟