
ما زال كثيرون منا يتذكرون مشهد البلدوزر الشهير في مسلسل الراية البيضاء، عندما أحضرته “فضة المعداوي” لهدم فيلا السفير مفيد أبو الغار، في محاولة منها للاستيلاء عليها دون اكتراث لأي قانون أو قيم. كان ذلك مشهداً درامياً من تأليف العبقري أسامة أنور عكاشة… لكنه يبدو اليوم أقرب إلى الواقع منه إلى الخيال!
فما نشهده الآن في عدة مناطق من مصر، من جزيرة الوراق إلى قرى الساحل ومطار النزهة، هو نسخة واقعية من استحواذ “فضة المعداوي” ولكن بأسماء رسمية وأدوات أقوى، على رأسها “البلدوزر” نفسه. يتم الاستيلاء على أراضٍ مملوكة للدولة أو المواطنين، بعضها لمؤسسات وهيئات حكومية، وبعضها الآخر لمستشفيات، وشركات، وحتى حدائق عامة تم تحويلها إلى مشروعات خاصة لا تعود بالنفع على الدولة أو المواطن، بل تصبّ فقط في جيوب المنتفعين.
المؤلم في الأمر أن المعتدي هذه المرة لا يختبئ، بل يظهر باسمه الكامل، ويعمل تحت غطاء مؤسسات يفترض بها حماية الوطن لا هدمه. آخر فصول هذه المهزلة شهدته منطقة الوراق، حيث استيقظ السكان على استحواذ جهة تدعى “جهاز مستقبل مصر” على موقف الميكروباص الرسمي، ليتم تحويله إلى أكشاك عشوائية، تُؤجَّر لحسابهم الخاص. ولم يكتفوا بذلك، بل تم التعدي على أعمدة الكهرباء الرئيسية لإنارة هذه الأكشاك، في مشهد يجمع بين العبث والفساد.
أما عن التطوير الذي يُستخدم كشعار لتبرير كل هذه الانتهاكات، فلم يره أحد حتى الآن. منازل المواطنين هُدِمت، الأراضي صودرت، والميادين والمواقف اختفت، لتُستبدل بعشوائية جديدة مقنّعة تحت اسم “مشروعات”.
هل أصبحنا نعيش نسخة واقعية من “الراية البيضاء”؟ ولكن هذه المرة… دون كاميرات، ودون نهاية سعيدة.