مطالب بتعديل قانون الأحوال الشخصية: هل يعيد خفض سن الحضانة التوازن في الأسرة المصرية

تستمر القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية في إثارة الجدل بين المواطنين والمختصين في مصر، حيث يطالب العديد من الآباء والأسر بتعديل قانون الحضانة الحالي.
أبرز المطالب هي خفض سن الحضانة للأطفال، إضافة إلى منح الأب أولوية في الحضانة بعد وفاة الأم أو زواجها، وتغيير نظام الرؤية إلى الاستضافة. بينما يظل القانون الحالي يثير انقسامات كبيرة في المجتمع المصري بين مؤيد ومعارض لتعديلاته.
الآراء حول تعديل قانون الحضانة: بين الأمل والمخاوف
آراء المواطنين: التعديل لصالح الأسرة أم ضد مصلحة الطفل؟
أكد أحمد حسن، أب لثلاثة أطفال، أن “خفض سن الحضانة هو الحل الأمثل للأسر التي تضررت من القانون الحالي.
لقد حرمت من رؤية أطفالي بشكل مستمر بسبب ارتفاع سن الحضانة إلى 15 سنة، وهذا أثر بشكل كبير على علاقتي بهم. نحن نريد فقط عودة الأمور كما كانت، حتى نتمكن من الحفاظ على روابطنا الأسرية بشكل طبيعي”.
من جهتها، أضافت فاطمة محمود، جدة لأربعة أحفاد، قائلة: “السن الحالي للحضانة لا يتناسب مع الواقع. أحفادي عانوا كثيرًا بعد تعديل القانون، إذ أصبح من الصعب التواصل معهم، وكان من المفترض أن يكون الأمر أكثر مرونة لمصلحة الأطفال”.
أكدت مها مصطفى، محامية متخصصة في قضايا الأسرة، “نعم، هناك مطالبات عديدة من الآباء بخصوص خفض سن الحضانة، إلا أن المشكلة تكمن في مصلحة الطفل أولاً وأخيرًا.
فالطفل في تلك المرحلة يحتاج إلى رعاية الأم العاطفية والجسدية، ومن غير المعقول أن يتم تعديل السن بطريقة تتجاهل هذه الحقيقة”.
وأشار مصطفى شريف، أب مطلق، إلى أن “المطالبة بتعديل القانون ليس بسبب رغبتنا في معاقبة النساء أو التقليل من حقوقهن، ولكن ببساطة لأننا نرى تدميرًا لعلاقاتنا مع أطفالنا، خصوصًا في ظل عدم وجود آلية عادلة للحفاظ على تواصلنا معهم”.
فيما أشار كريم صلاح، أحد الآباء المتضررين، إلى أن “الخلط بين الحقوق والمصلحة العامة جعل الأمر أكثر تعقيدًا.
الأطفال يحتاجون للأب في هذه المرحلة، خصوصًا بعد انفصال الوالدين. من الظلم أن يبقى الأب في موقف اللامبالاة بهذا الشكل”.
الحقوق القانونية للنساء: هل هناك انتقاص من حقوقهن؟
أوضحت المحامية انتصار السعيد، رئيسة مجلس أمناء إحدي مؤسسات التنمية والقانون، أن “الحديث عن خفض سن الحضانة يتعارض مع الاتفاقيات الدولية التي تنص على حماية الطفل حتى سن الـ18.
الحضانة لا تتعلق فقط بحق الأم، بل بالأساس بمصلحة الطفل. وفي هذا السن، يكون من الضروري أن تظل الأم هي الحاضنة الأولى”.
وأكدت السعيد في حديثها أنه “من المهم تعديل قانون الحضانة ليصبح الأب في المرتبة الثانية بعد وفاة الأم أو زواجها، حيث من غير المنطقي أن يكون الأب في الدرجة الـ13، وهو ما يسبب العديد من المشاكل للأسرة ويزيد من الخلافات”.
من جانبها، نوهت زينب العزابي، أستاذة القانون الدولي، إلى أن “تعديل قانون الأحوال الشخصية ليس بالأمر السهل، لأن هذه القوانين مرتبطة بمعايير دولية، ولابد من مراعاة هذه المعايير عند أي تعديل. لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوز مصلحة الطفل التي يجب أن تكون في الأولوية دائمًا”.
الأبعاد القانونية والدستورية: تحديات التعديل
أشار المستشار القانوني أحمد جاد، إلى أنه “قانون الأحوال الشخصية في مصر يتضمن العديد من المواد التي تحمي مصلحة الطفل، إلا أن المطالبة بتخفيض سن الحضانة تضعنا في مأزق قانوني ودستوري.
الدستور المصري ينص على أن حقوق الطفل لا يمكن التنازل عنها أو المساس بها، وبالتالي من غير المنطقي التراجع عن هذه الحقوق، بل يجب التفكير في حلول توازن بين مصلحة الأطفال وحقوق الآباء”.
وأكد جاد أن “مبدأ الحضانة لا يتعلق بسن الطفل فقط، بل أيضًا بظروف الأسرة وحالة الأب والأم. وبالتالي، يجب أن يكون هناك قانون يراعي الحالة الخاصة لكل أسرة ويتيح للجميع حقوقهم وفقًا للظروف”.
أرقام وبيانات: هل هناك فعلاً زيادة في حالات الطلاق؟
وفقًا للبيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فقد أظهرت إحصائيات عام 2023 تراجعًا طفيفًا في عدد حالات الطلاق بنسبة 1.6% مقارنة بعام 2022، حيث بلغ العدد 265,606 حالة طلاق مقارنة بـ269,834 حالة في العام السابق.
لكن، لا يبدو أن هذا التراجع الكبير يمكن أن يكون مرتبطًا بتعديل قانون الحضانة، خاصة أن القضايا القانونية المرتبطة بالأحوال الشخصية تتعلق بعدة عوامل معقدة أخرى.
أوضحت سمر كمال، استشارية اجتماعية، أنه “العديد من الأزواج المطلقين يواجهون تحديات في التواصل مع أبنائهم بسبب نقص التفاهم القانوني والتنفيذي في كيفية تنفيذ حق الرؤية أو الاستضافة. لذلك، نجد أن الأطفال يعانون في كثير من الأحيان، ما يؤدي إلى زيادة التوتر في العائلة بعد الطلاق”.
الحلول الممكنة: رؤية مختصين في تعديل القانون
أكد الدكتور سامي عبد الفتاح، أستاذ علم الاجتماع، أن “التعديل المقترح على قانون الأحوال الشخصية قد يكون له آثار عميقة على المجتمع المصري.
من الضروري أن يكون التعديل متوازنًا بحيث يضمن حقوق الطفل وحق الأب في رعاية أبنائه. القانون الحالي لا يمكن أن يستمر دون تعديل؛ ولكنه يحتاج إلى دراسة مستفيضة وتوافق مع التوجهات الدولية في مجال حقوق الطفل”.
فيما شدد محمد عادل، مختص في شؤون الأسرة، على أن “النظام الحالي يتسم بالكثير من التعقيد فيما يتعلق بحقوق الأب بعد الطلاق، ونحن بحاجة إلى تطوير آليات قانونية جديدة تضمن توازنًا أفضل بين جميع الأطراف، دون المساس بمصلحة الأطفال”.
يظل موضوع تعديل قانون الأحوال الشخصية من أكثر المواضيع إثارة للجدل في مصر، حيث يواجه الجميع تحديات تتعلق بحقوق الأبناء والآباء.
بينما يطالب العديد بتعديل القانون لضمان حقوق الأب بعد الطلاق، يظل السؤال الأهم: هل هذه التعديلات تضمن في النهاية مصلحة الأطفال؟ الإجابة لن تكون سهلة، إذ تتطلب توازنًا دقيقًا بين الحقوق الفردية والمصلحة العامة.