سجن بدر 3.. انتهاك حقوقي متواصل وقتل بالإهمال والتعذيب

لم يعد ما يجري داخل سجن بدر 3 المصري مجرد انتهاكات عابرة؛ بل تحول إلى نهجٍ مستمرٍ من القمع والتجويع والإهمال الطبي والتعذيب تُدار فيه حياة المعتقلين وكأنها بلا قيمة أو حماية.فقد مات مؤخرا المعتقل ” محمد حسن هلال ” بعد نقله من السجن في حالة حرجة إلى مستشفى القصر العيني، وسط شبهات بتعرضه لتعذيب مميت أدى إلى نزيف دماغي وكسور متعددة، رغم أنه أنهى مدة محكوميته منذ سنوات.
كما أقدم المعتقل ” محمود عبد الله ” على محاولة الانتحار حرقًا داخل زنزانته بعد سنوات من الإخفاء القسري، والحرمان من الزيارة، وتدهور صحته دون أي علاج، ليُعاد إلى زنزانته مهدَّدًا بالمزيد من التنكيل.
وفي ذات السياق دخل عدد كبير من المعتقلين في إضراب مفتوح عن الطعام احتجاجًا على هذه الانتهاكات، وحرمانهم من الزيارة والطبلية، والتضييق المعيشي المتعمد، فردّت الإدارة بالسخط والقمع؛ فأغلقت الكانتين، ومنعت الزيارات تمامًا، وقطعت المياه، وقام المعتقلون بتغطية الكاميرات داخل الزنازين في رسالة صامتة من داخل الجحيم.
ويرى خبراء حقوقيين سجن بدر 3 أن العقرب الجديد بعد غلق مجمع سجون طرة وداخله العقرب، تكون هذه بداية الانطلاق..كما أن عدد الوفيات خلال الفترة الماضية في بدر 3 يُعطي لمحة عن ما يحدث فيه من إجرام وتعسف.
وكانت “الشبكة المصرية لحقوق الإنسان”، وثقت وفاة المعتقل الشاب داخل وحدة الرعاية الفائقة بمستشفى قصر العيني في العاصمة القاهرة، وذلك عقب نقله إليها من سجن بدر 3 في حالة حرجة، وهو مصاب بإصابات بالغة يُشتبه في أنها ناجمة عن تعذيب شديد أو اعتداء بدني ممنهج.
وأعلنت الشبكة، الثلاثاء، أنها “تلقت خبر وفاته ببالغ الحزن والغضب، بعد توالي مناشدات عاجلة ومعلومات موثقة عن تدهور حاد في حالته الصحية”. وأوضحت أنه “نقل إلى المستشفى في غيبوبة تامة، حيث خضع لعملية جراحية طارئة لوقف نزيف داخلي حاد في الجمجمة، يُعتقد أنه ناتج عن إصابات مروعة شملت كسراً في الجمجمة واليدين”.
كما دعت الشبكة، المنظمات الحقوقية المحلية والدولية إلى تحرك فوري لوضع حد للانتهاكات الممنهجة والإفلات المستمر من العقاب، مشيرة إلى أن سجن بدر بات رمزاً للقمع والعنف والتنكيل.
بداية القصة
بدأت تفاصيل الواقعة بدخول المعتقلون بسجن بدر 3 في اضراب عن الطعام، بعد حادثة الإهمال الطبي الذي أودى بحياة المعتقل محمد حسن هلال، صاحب الاضراب حجب الكاميرات داخل الزنازين من قبل عدد كبير من المعتقلين، ومن بينهم المعتقل الشاب “علاء جمال” البالغ من العمر 29 عامًا، من محافظة المنيا، والمعتقل منذ 3 سنوات ومحكوم عليه بالسجن 15 عامًا.
وتزامنا مع هذه الأحداث قرر ضابط أمن الدولة “مروان حماد”، حرمان المعتقل “علاء جمال” من زيارة، جاءته بعد فترة طويلة من المنع بأمر الضابط “مروان” نفسه، الأمر الذي دفع “علاء” للتهديد بالانتحار مالم يُسمح لأهله الذين حضروا من محافظة المنيا بزيارته.
وعلى خلفية ذلك سُمح له بالزيارة، لكن ضابط أمن الدولة “مروان حماد” بعد انتهاء الزيارة قرر منع دخول المتعلقات التي أحضرها أهل “علاء”، بل وقام بإيداعه الحبس الانفرادي (التأديب) بعد تهديده مجددًا بالانتحار احتجاجًا على منع دخول متعلقاته، لينتهي المشهد في صباح يوم الإثنين بالعثور على “علاء” مشنوقًا داخل زنزانته.
وعقب انتشار الخبر داخل السجن اندلعت حالة من الغضب الشديد وأعلن المعتقلون التصعيد في إضرابهم، وقام بعضهم بإشعال النار في البطاطين، الأمر الذي ينذر بتفاقم الأوضاع داخل السجن في ظل استمرار تعنت ضابط أمن الدولة “مروان حماد” وسياسة التنكيل المستمرة بالمعتقلين داخل صيدنايا مصر المعروف ببدر 3.
رسائل استغاثة
وبين كل وقت وحين تتسرب رسائل للمعتقلين في سجن بدر 3 تكشف عن محاولات انتحار معتقلين ودخول بعض قيادات الإخوان في إضراب عن الطعام احتجاجا على الانتهاكات التي يتعرضون لها، مناشدين جميع المنظمات الحقوقية بالتدخل لإنقاذهم من جحيم الموت البطيء. ويشتكي السجناء مما وصفوه بـ”التعنت الشديد من إدارة سجن بدر3 في عدم السماح للأهالي بزيارة ذويهم المعتقلين، الأمر الذي وصلت مدته إلى أكثر من 7 سنوات.
وبحسب الرسائل المسربة فإن هناك المزيد والمزيد من الانتهاكات، مما جعل المعتقلين يقومون بفتح كل النظارات -فتحات صغيرة في الأبواب المصفحة يدخل منها الطعام- الخاصة بالأبواب الإلكترونية وغلق كل كاميرات المراقبة المتواجدة بكل الغرف، ودخول قطاع 4 ، 3 في إضراب كلي، الأمر الذي واجهته الإدارة بمزيد من التعسف حيث قامت باستدعاء القوة الضاربة والأمن المركزي واقتحموا الغرف وتم توزيع بعض الغرف على التأديب مما قابله رد فعل من المعتقلين.
وافتتح مجمع سجون بدر نهاية عام 2021، في منطقة بدر بالصحراء الغربية (على بعد حوالي 300 كيلومتر غرب القاهرة)، تحت مسمى “مركز الإصلاح والتأهيل بدر”، وسط أجواء دعائية تروج لمزاعم حكومية حول تنفيذ استراتيجية جديدة تكفل توفير ظروف ملائمة للسجناء، وبالطبع تمهيدا لاستغلال موقع منطقة سجون طرة المطل على النيل في القاهرة في مشاريع استثمارية.
وتم إنشاء مجمع بدر على مساحة 85 فداناً، وقد تم إعداده، بحسب صحف رسمية، لاستقبال النزلاء المحكوم عليهم بمدد قصيرة، وبناء عليه سيتم غلق 3 سجون عمومية إضافية بمجرد التشغيل الكامل. ويضم المركز 3 مراكز فرعية، ومركزا خاصا للنساء، وتتم إدارة المركز من خلال مبنى القيادة المركزية المتواجد في وسط المراكز، ويضم غرفة تحكم رئيسية مرتبطة بغرف تحكم فرعية بكل مركز، كما يضم المركز مجمعاً للمحاكم، يحتوي على 4 قاعات لجلسات المحاكمة منفصلة إداريًا بسعة 100 فرد للقاعة الواحدة.