ملفات وتقارير

حرب السودان تدمّر كل شيء: مأساة إنسانية مستمرة على مدار عامين

تواصل الحرب في السودان تصاعدها مع دخولها عامها الثالث، فتصبح الأوضاع أكثر بؤسًا يومًا بعد يوم. تزداد عمليات القتل الميداني وتنتشر مقاطع الفيديو التي تسجل الإعدامات والتدمير الممنهج للبنية التحتية.

أصبحت المواجهات العسكرية التي كانت تقتصر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حربًا ضد الشعب السوداني بأسره. لم تعد الحرب تقتصر على المعسكرات العسكرية، بل اتخذت شكلًا مأساويًا أوسع يستهدف المدنيين بلا رحمة.

الأرقام الحقيقية للدمار

أعلنت تقارير متعددة أن الخسائر الاقتصادية جراء الحرب قد تقدر بحوالي 200 مليار دولار أمريكي. وذكر تقرير آخر أن نحو 60 ألف شخص قتلوا، بالإضافة إلى مئات الآلاف من الجرحى والمصابين.

تأثر نحو 42 مليون نسمة من السكان بالحرب، حيث نزح حوالي 14 مليون مواطن من منازلهم، مما شكل أكبر أزمة نزوح في العالم.

تدمير أكثر من 60% من البنية التحتية للبلاد جعل الحياة شبه مستحيلة في العديد من المناطق، حيث أصبحت المستشفيات والمدارس ووسائل النقل من الأهداف المستهدفة للقصف.

حرب مدن ودور المدفعية في تدمير الأحياء

تتمثل أبرز ملامح الحرب في السودان في القتال المدمر داخل المدن. فبينما يتم تحصين القوات العسكرية في معسكراتها، تتعرض المناطق السكنية في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى لقصف المدفعية والطائرات.

يتم استهداف الأبرياء من قبل الأطراف المتحاربة دون تمييز، إذ تسقط قذائف المدافع بشكل عشوائي على المنازل وتقتحم صواريخ البراميل المتفجرة الأحياء السكنية بلا هوادة.

في الواقع، أصبحت هذه المدن ساحة معركة لا ترحم، حيث تواصل الأطراف المتحاربة قتل المدنيين وتدمير الممتلكات.

آثار الحرب على الاقتصاد السوداني

تأثرت القطاعات الاقتصادية الأساسية بشكل شديد جراء الحرب. القطاع الصناعي الذي يمثل حوالي 21% من الاقتصاد السوداني شهد انهيارًا شبه كامل نتيجة تدمير المصانع في العاصمة الخرطوم.

قدرت الخسائر التي طالت البنية التحتية الاقتصادية بنحو 25% من رصيد البلاد الرأسمالي. كما تراجع الإنتاج الزراعي بنسبة 46% في عام 2023، وتدنت إنتاجية الحبوب بشكل حاد،

مما أدى إلى تفاقم أزمة الأمن الغذائي في البلاد. وبلغ العجز المالي مستويات غير مسبوقة، حيث ارتفع إلى 9.1% من الناتج المحلي الإجمالي.

الدمار في القطاع الصحي

تحولت المستشفيات والمراكز الصحية إلى أهداف عسكرية. تعرضت العديد من المستشفيات، مثل مستشفيات النو والبلك، لقصف متكرر من قبل قوات الدعم السريع، كما تعرض مركز استاك الطبي للتدمير.

بلغت خسائر القطاع الصحي حوالي 11 مليار دولار أمريكي، كما تم قتل أكثر من 60 طبيبًا وممارسًا صحيًا أثناء تأديتهم واجبهم المهني في علاج المصابين.

هذا التدمير للقطاع الطبي أدى إلى نقص حاد في الخدمات الصحية، مما زاد من انتشار الأمراض والأوبئة مثل الملاريا وحمى الضنك والكوليرا.

الخسائر في قطاع التعليم

أدت الحرب إلى تدمير أكثر من 20 ألف مدرسة، مع حرمان حوالي 6-7 ملايين طفل من التعليم. معظم المؤسسات التعليمية تم تحويلها إلى ثكنات عسكرية أو استخدمت كمراكز إيواء.

في ظل هذه الظروف، واجه قطاع التعليم تحديات جسيمة، إذ تراجعت أعداد الطلاب الذين تمكنوا من إتمام تعليمهم بشكل ملحوظ.

كما توقعت لجنة المعلمين أن يكون مستقبل الطلاب الذين لم يتمكنوا من الجلوس لامتحانات الشهادة السودانية مهددًا بشكل كبير.

التدهور في العملة المحلية

واجهت العملة السودانية تدهورًا غير مسبوق، حيث انخفضت قيمتها بنسبة 74% في العام الأول من الحرب، ووصلت إلى تدهور إضافي بنسبة 81% في عام 2024. ارتفعت أسعار السلع بشكل جنوني، مع تدهور القدرة الشرائية للمواطن السوداني.

في الوقت نفسه، تكبدت البلاد خسائر فادحة في مواردها من الذهب والثروات الحيوانية جراء التهريب إلى دول الجوار، ما أدى إلى خروج السودان من الاقتصاد المنظم إلى دائرة الاقتصاد الأسود.

تصاعد العنف والتهجير القسري

في المناطق التي كانت تحت سيطرة “الدعم السريع”، تم تنفيذ عمليات قتل ميدانية وإعدامات عشوائية تحت ذريعة “التعاون مع الطرف الآخر”.

كما تعرض المدنيون في مناطق أخرى للتهجير القسري بسبب القصف العشوائي. تزامن ذلك مع تدمير ممتلكاتهم ونهب منازلهم. شكلت هذه الأعمال جزءًا من معاناة المدنيين الذين أصبحوا ضحايا لحرب لا ترحم.

الانتشار الواسع للمعاناة الإنسانية

تقدر الأمم المتحدة أن حوالي 30 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية في السودان، مع مواجهة نحو 20 مليون شخص لمخاطر المجاعة.

كما يعيش الملايين في مخيمات اللجوء في دول الجوار مثل مصر وتشاد وجنوب السودان، حيث يعانون من ظروف حياتية مأساوية بسبب نقص الغذاء والمياه والخدمات الطبية.

في الوقت ذاته، شهدت البلاد أرقامًا ضخمة من حالات النزوح الداخلي، حيث بلغ عدد النازحين حوالي 14 مليون شخص.

أدى النزاع في السودان إلى تدمير شامل لمؤسسات الدولة وخراب حياة ملايين المواطنين. تجاوزت آثار هذه الحرب حدود الصراع العسكري لتشمل جميع جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والصحية والتعليمية.

في ظل هذا الدمار، يبقى الأمل في تحقيق السلام بعيد المنال، مما يزيد من معاناة الشعب السوداني الذي أصبح في مرمى نيران صراع دموي لا يفهمه سوى من يعيشونه.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى