ملفات وتقارير

انهيارات العقارات تبتلع الأسر في الإسكندرية وأسيوط .. من المسؤول عن هذه الكوارث

أوضح الواقع الصادم الذي عاشته محافظتا الإسكندرية وأسيوط خلال الأيام الأخيرة، أن أزمة انهيار العقارات القديمة والمخالفة لم تعد مجرد ظاهرة عابرة، بل تحوّلت إلى كارثة متكررة تهدد حياة المصريين يوميًا. وبين الإهمال والتقاعس، يبقى المواطن هو الضحية الأولى.

كوارث العقارات تتواصل .. وأرواح تحت الأنقاض

أكد محمد شعبان، أحد سكان منطقة اللبان بالإسكندرية، أنه سمع دويًا هائلًا كأنه انفجار، وعندما خرج من منزله رأى سحابة غبار كثيف تغطي الشارع.

أوضح أنه رأى السكان يصرخون وأطفالًا يُنتشلون من تحت الركام، مشيرًا إلى أن العقار المنهار كان يعاني من شروخ واضحة منذ أكثر من عام، وتقدم الجيران بعدة شكاوى، لكن دون استجابة.

أشار إلى أن الحادث أسفر عن إصابة 3 أطفال، أحدهم رضيع، وتم نقلهم إلى المستشفى، في حين استمرت جهود الإنقاذ طوال الليل بحثًا عن باقي المفقودين تحت الأنقاض.

انهيارات مفاجئة وأبرياء يدفعون الثمن

أوضح أحمد العسال، من سكان حي الجمرك، أن الكارثة لم تكن الأولى، فقد سبقتها قبل أسبوع انهيار عقار آخر بنفس المنطقة،

وتسبب في مصرع أم وثلاث من بناتها، وإصابة الزوج. وبيّن أن العقار المنهار كان معروفًا بضعف بنيانه، لكنه مأهول بالسكان لعدم وجود بدائل.

نوه إلى أن تكرار مثل هذه المآسي يعكس خللًا كبيرًا في منظومة الرقابة، قائلاً: “كم من الإنذارات والقرارات تصدر دون تنفيذ؟”.

أسيوط تنزف أيضًا .. موت تحت التراب

أكد يوسف فهيم، من أهالي أسيوط، أن سقوط العقار المكون من 4 طوابق بالمدينة كان مأساويًا. قال: “كنا نسمع عن انهيارات في القاهرة والإسكندرية، لكن الآن الموت وصل إلينا”، مشيرًا إلى أن الضحايا كانوا من النساء والأطفال، وأن السبب يعود إلى البناء دون أساسات سليمة أو إشراف هندسي.

لماذا تتكرر الكوارث؟

أوضح المهندس أشرف النمس، استشاري إنشاءات، أن السبب الجذري لانهيار العقارات يكمن في العشوائية وسوء التنفيذ، حيث يعتمد العديد من المقاولين على مواد بناء رديئة، ويقومون بإزالة أعمدة حاملة بغرض توسيع الشقق، وهو ما يؤدي إلى الكارثة.

أشار إلى أن هناك نحو 300 ألف عقار مهدد بالانهيار على مستوى الجمهورية، منها ما يزيد عن 12 ألفًا في محافظة الإسكندرية وحدها.

قرارات بلا تنفيذ .. والضحية مواطن بسيط

أشار المحامي طارق عبدالجليل، المتخصص في قضايا مخالفات البناء، إلى أن القانون المصري يحتوي على مواد كافية للتعامل مع العقارات الآيلة للسقوط، لكن المشكلة تكمن في تنفيذ القرارات.

أوضح أن هناك أكثر من 20 ألف قرار إزالة صدرت منذ 2018 لم يتم تنفيذها فعليًا، بسبب التداخل بين الجهات التنفيذية وغياب التنسيق الفعّال.

محافظة الإسكندرية ترد .. ولكن بعد الفاجعة

أعلنت محافظة الإسكندرية بعد الحادث بساعات إزالة 46 عقارًا بالكامل في حي الجمرك، وأكدت تشكيل لجنة فنية للمعاينة.

لكن أشار المهندس رامي السعيد، مسؤول سابق في المحليات، إلى أن هذه الاستجابات تأتي غالبًا بعد فوات الأوان.

أوضح أن التعامل مع العقارات المتهالكة يتطلب خططًا استباقية وليس ردود أفعال، مؤكدًا أن ما يحدث مجرد “ترقيع إداري”.

السكان بين التشريد والموت

أكدت فاطمة السيد، من سكان منطقة المنشية، أن السكان يعيشون في رعب دائم، فإما الموت تحت العقار، أو التشريد خارجه. أضافت: “الحكومة تطلب منا إخلاء المنزل دون توفير بديل.. أين نذهب؟”.

أشارت إلى أنها تعيش مع أبنائها الثلاثة في عقار متصدع منذ سنوات، وكل ليلة تمر عليهم وكأنها آخر أيامهم.

التصالح مع الموت .. أو التصالح مع المخالفة؟

أوضح الدكتور مصطفى العزبي، أستاذ التخطيط العمراني، أن سياسة التصالح في مخالفات البناء شجّعت كثيرين على الاستمرار في البناء العشوائي، موضحًا أن القانون وحده لا يكفي دون رقابة فعلية ومتابعة.

قال: “في بعض الأحيان، تكون العقارات مخالفة منذ عشرات السنين، ولا أحد يتحرك إلا بعد الكارثة”.

الإعلام بين التوعية والتقصير

أشار الناشط الحقوقي محسن يوسف إلى أن وسائل الإعلام تتحرك بسرعة لتغطية الكوارث لكنها لا تتابع قضايا الإخلاء أو الإزالة إلا نادرًا، ما يجعل المواطن غير مدرك لخطر البناء غير المرخص.

قال: “نحتاج إلى حملات إعلامية موسعة توضح مخاطر السكن في العقارات المخالفة، ومتابعة جهود الدولة بواقعية لا بهرجة”.

مبادرات مجتمعية غائبة

أكدت سلمى علي، ناشطة في العمل المجتمعي، أن الجمعيات الأهلية لا تهتم بملف العقارات المنهارة، رغم خطورته. أشارت إلى أن هناك أكثر من 5 آلاف أسرة في الإسكندرية وحدها مهددة بالإخلاء ولا تتلقى أي دعم حقيقي.

الجيل القادم في خطر

أوضح الدكتور ياسر زين، أستاذ علم النفس، أن الأطفال الذين ينجون من الكوارث العقارية يعانون من صدمات نفسية شديدة.

أشار إلى أن الطفلة التي تم إنقاذها من عقار اللبان تعاني من نوبات هلع مستمرة وترفض النوم ليلًا، وهذا يعكس مدى التأثير النفسي العميق لهذه الكوارث على الأطفال.

متى نتحرك قبل أن تُسفك الأرواح؟

أكد الناشط الحقوقي عمرو حسن أن الوقت قد حان للتحرك الحاسم وليس المؤقت، وأن الدولة بحاجة إلى استراتيجية قومية عاجلة لإعادة تقييم كل المباني القديمة والمخالفة.

أشار إلى ضرورة ربط قواعد البيانات بين المحليات والإسكان والدفاع المدني، لضمان التدخل قبل وقوع الكارثة، لا بعدها.

نوهت الوقائع الأخيرة إلى حجم المأساة التي تهدد أرواح آلاف المصريين يوميًا بسبب الإهمال العقاري والتقاعس الإداري.

وبين قرارات تُعلن ولا تُنفذ، يبقى السؤال معلقًا: من يحمي المواطن المصري من أن يُدفن حيًا في منزله؟

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى