أخبار الغد يكشف انهيار منظومة الصحة الجامعية وهروب 117 طبيبًا من مستشفيات الإسكندرية

أوضح مشهد استقالة جماعية من مستشفيات جامعة الإسكندرية أن المنظومة الصحية في الجامعات باتت على حافة الانهيار، بعد أن تخلى الأطباء عن وظائفهم بشكل غير مسبوق.
استقالات بالجملة وأزمات بلا حلول، تكشف عن أزمة متراكمة تهدد مستقبل الخدمة الصحية الجامعية في مصر، وتجعل الأطباء بين مطرقة العجز وسندان الهجرة.
هجرة جماعية تعصف بالمستشفيات الجامعية .. ناقوس خطر يدق من جديد
أكد الدكتور سامح عبدالقوي، أستاذ مساعد طب الطوارئ، أن واقعة استقالة 117 طبيبًا دفعة واحدة من مستشفيات جامعة الإسكندرية لا تمثل مجرد حادث عرضي، بل هي تعبير واضح عن تآكل الثقة بين الأطباء ومؤسساتهم.
وأوضح أن هؤلاء الأطباء، الذين يمثل أغلبهم من دفعات حديثة ومتفوقين أكاديميًا، قرروا الهروب من واقع مأساوي، حيث يعمل الطبيب أحيانًا ما يصل إلى 100 ساعة أسبوعيًا مقابل راتب لا يتجاوز 4000 جنيه شهريًا، في بيئة غير مؤهلة نفسيًا أو ماديًا للعمل الطبي اللائق.
أطباء في مهب الانهيار: استقالة بلا تردد
أشار الدكتور هشام المغربي، نائب جراحة المخ والأعصاب السابق بإحدي مستشفيات الإسكندرية، إلى أن الاستقالات لم تكن مفاجئة بل متوقعة منذ شهور، إذ أن أغلب النواب يعملون دون تأمين صحي حقيقي، ولا فرص للترقي، ولا حتى دعم نفسي،
مضيفًا أن الأطباء الشباب يعانون من الضغط النفسي المتزايد، خاصة مع معاملة مهينة من بعض الإدارات الجامعية، حيث يُنظر إليهم كمتدربين بلا حقوق.
الجامعة تبحث عن بدلاء في زمن العزوف المهني
نوه الدكتور محمود البنا، أستاذ الصحة العامة بكلية الطب، إلى أن الخطوة العلنية التي أعلنتها جامعة الإسكندرية لعقد جلسة السبت 26 أبريل لملء الوظائف الشاغرة ليست إلا محاولة يائسة لترقيع ما لا يمكن إصلاحه.
وأكد أن المستشفيات الجامعية تعاني من نقص حاد يصل في بعض التخصصات إلى 70٪ من الكوادر المطلوبة، بينما تبقى الحلول سطحية ولا تُعالج لبّ الأزمة: بيئة العمل المدمرة والطموح المفقود.
من التميز إلى التدهور: رحلة الطبيب من القمة إلى القاع
أوضح الدكتور ياسر سليم، خريج دفعة 2022 بإحدي كليات الطب، أنه رفض التعيين كطبيب نائب في الجامعة رغم تخرجه ضمن الأوائل، مفضلًا الاستعداد للسفر إلى ألمانيا بعد اجتيازه امتحان المعادلة هناك.
وأضاف أن النيابة الجامعية كانت حلمًا يومًا ما، لكنها تحولت الآن إلى “عقوبة مؤجلة” يتفاداها الأطباء الجدد بكل وسيلة.
مأساة راتب الطبيب .. عندما يصبح اللقب نقمة
أشار محمد حسن إبراهيم، طبيب نائب أطفال، إلى أن الراتب الشهري الذي يتقاضاه لا يكفي لتغطية المواصلات اليومية، فضلًا عن الطعام والسكن.
وأضاف أن النواب يعملون أحيانًا 36 ساعة متواصلة دون راحة، ولا يتلقون أي بدل عدوى يُذكر، مؤكدًا أن أغلب زملائه يدرسون بالفعل المعادلات الدولية للسفر.
212 ألف طبيب .. ولكن أين الباقون؟
أكدت منى عبدالمقصود، باحثة في الشأن الصحي، أن ما يحدث في مستشفيات جامعة الإسكندرية هو جزء صغير من أزمة أوسع،
حيث تشير الإحصاءات إلى أن من بين أكثر من 212,000 طبيب مسجل في نقابة الأطباء، لا يعمل في مصر سوى 82,000 فقط، أي بنسبة 39٪ فقط، بينما سافر الباقون إلى الخارج أو تركوا المهنة بالكامل.
ضغوط العمل تدفع الأطباء لحافة الانفجار
أوضح محمد طه عبدالحميد، طبيب عظام بإحدي المستشفيات الحكومية، أن زملاءه ممن تقدموا باستقالاتهم، فعلوا ذلك بعد سنوات من الإهانات والصراعات مع الإدارة، دون أدنى إحساس بالتقدير.
وأضاف أن مناوبات الطوارئ تمتد إلى أكثر من 18 ساعة، أحيانًا بلا وجبة أو وقت للراحة، في ظل تكدس الحالات وسوء البنية التحتية.
نظام التوزيع الجديد .. من عادل إلى عشوائي
نوهت ريم يوسف منصور، طبيبة امتياز، إلى أن النظام القديم لتوزيع الأطباء بحسب التقدير كان عادلًا ومنصفًا، لكنه اختفى تدريجيًا، ليحل محله نظام فوضوي يعتمد على “من يقبل أقل”. وأكدت أن هذا الانحدار جعل حتى الأوائل يهربون من النيابات الجامعية بعد أيام من استلامها.
البحث عن الأمان في الخارج
أشار إسلام رضا بدوي، طبيب عناية مركزة، إلى أنه يعمل حاليًا على إجراءات السفر إلى فنلندا بعد أن فشل في العثور على فرصة مناسبة في بلده الأم.
وأكد أن زملاءه الذين استقالوا مؤخراً، يشعرون أن حلم ممارسة الطب في مصر أصبح أقرب إلى الكابوس، مضيفًا أن المهنة باتت عبئًا نفسيًا وجسديًا.
عنف لفظي .. وإهانة في العلن
أكدت رحاب حنفي فؤاد، طبيبة مقيمة في قسم النساء والتوليد، أن بعض رؤساء الأقسام يتعاملون مع النواب بصيغة “الأوامر العسكرية”،
حيث تُوجه لهم إهانات أمام المرضى والطاقم التمريضي، ما يجعل الاستمرار مستحيلًا في بيئة بهذا القدر من التسلط والتحقير.
عجز شديد في التخصصات الحرجة
نوه الدكتور علاء عبدالرحيم، مدير سابق بوحدة الطوارئ، إلى أن التخصصات الحيوية مثل الطوارئ والعناية والجراحة الدقيقة تعاني من عجز يفوق 60٪ في بعض المستشفيات الجامعية،
مما يضطر الأطباء للعمل في أكثر من مستشفى لتعويض النقص، وهو ما يرفع نسبة الأخطاء الطبية بشكل ملحوظ.
انهيار المستقبل الطبي في مصر
أشار باسم السيد فهمي، طالب دراسات عليا بكلية الطب، إلى أن منظومة التعليم الطبي مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالنيابات الجامعية، ومع هذا الانهيار الواضح في الرغبة بالانضمام لها،
فإن مستقبل التكوين الأكاديمي والبحثي في الطب بمصر مهدد بالخطر. وأضاف أن النخبة الأكاديمية بدأت تتسرب إلى الخارج، مما يهدد بفراغ تعليمي كبير.
أعادت الاستقالات الجماعية من مستشفيات جامعة الإسكندرية رسم صورة قاسية لواقع الطب الجامعي في مصر، حيث يغادر الأطباء وطنهم قهرًا لا رغبة.
ومع تزايد وتيرة الهروب وغياب أي حلول جذرية، يبدو أن إصلاح المنظومة الصحية بات حاجة وطنية عاجلة لا تقبل التأجيل.