مقالات وآراء

شادي طلعت يكتب: المصريين في عصر الرهان والقمار

إن قانون العقوبات، والقانون رقم 175 لسنة 2018، والقانون رقم 8 لسنة 2022، يجرمان المراهنات، لأنها شكل من أشكال القمار، والذي هو محرم شرعاً في مصر.

فالمراهنات جميعها غير قانونية، حتى وإن تغاضى القانون عن بعضها، فذلك لا يعني أنها تتمتع بصفة رسمية قانونية، وإنما فقط قد إنصرفت عين العدالة عن بعض تلك الهيئات التي تمارس القمار من خلال المراهنات.

وأساس التجريم هنا : هو أن الشخص يدفع مال يخصه، واحتمالات خسارته واردة، وهنا تحكم الشريعة الإسلامية، وتقضي بأن هذا الأمر حرام شرعاً، وعلى ذلك، أخذ القانون من أحكام الشريعة.

أما عن تعامل القانون المصري تجاه الأمر، وبخاصة أن المراهنات قد أصبحت في متناول الجميع بعد عصر الإنترنت، ولم تعد تقتصر على الذهاب إلى الكازينوهات التي لا تستقبل مصريين، فقد بات على العدالة ألا تحمل أكثر من وجه في تطبيق العقوبة.

– بمعنى أنه قد تطبق عقوبة على شخص، قد عُرف عنه أنه يراهن، أو يقامر عبر موقع إلكتروني، بينما هناك غيره مئآت أو آلاف من الناس يراهنون أيضاً ولكن عبر مواقع أخرى، بيد أن العدالة لم تعرف عنهم شيئاً، وبالتالي فإنهم يفلتون من العقوبة.

وفي تلك الحالة السابقة، يجب أن تتوقف العقوبة، ذلك لأن الدولة هي المسئول الأول، لأنها لم تقم بحجب تلك المواقع الإلكترونية منذ البداية.

فالدولة إذاً قد سمحت بالمراهنات، لكونها لم تقم بحجب تلك المواقع، قبل أن تصل إلى المواطنين.

خاصة وأن العقوبات باتت الآن تجمع بين الغرامة والحبس في ذات الوقت، وقد ترتفع الغرامة إلى مبلغ مائتي ألف جنيه، وهو رقم كبير يعجز الكثير من المواطنين عن دفعه، أما الحبس فإنه في الغالب يتراوح ما بين ستة أشهر إلى عام.

وفي مصر لا نلاحظ جهوداً مبذولة تجاه منع المراهنات، فالعديد والعديد من المواقع الإلكترونية تعج بالمراهنات، وأجهزة الدولة في ذات الوقت لا تحجب تلك المواقع، والحجب هنا ليس من إختصاص وزارة معينة، وإنما يعود لرقابة أجهزة الدولة الأمنية، فهي المعنية بالرقابة على تلك المواقع الإلكترونية.

وبالتالي لا سلطة لوزارة مثل الشباب والرياضة على من يقومون بالمراهنات الرياضية، فهي ليست رقيب على أحد، ولا الدستور أو القانون يسمح لتلك الوزارة بالرقابة على الناس.

أما بالنسبة إلى المستقبل : فإنني أرى أن المراهنات ستغزوا حياة الكثيرين من الناس قريباً، ولن تقف الدولة عائقاً أمام هذا الأمر، وستتغير القوانين، لتقنين المراهنات.

وكما كان التعامل مع البنوك بالأمس يعدُ ربا، وبات اليوم أمر مبرر شرعاً قبل القانون.

فسيأتي يوم قريب، وسنجد المراهنات قد باتت أمر عادي مستصاغ بين الجميع، كما هو الحال في دول أخرى عديدة، خاصة لو تم دفع ضرائب للدولة من المنظمين أو من الفائزين بالمراهنات.

إن المراهنات أمر من أمور الدنيا القادرة على سحب الجميع إليها.

بل وسحب الغني قبل الفقير، فهي إحدى زينات الحياة الدنيا، خاصة .. طالما ظلت الأضواء مسلطة على عناصر إنتقلت من وادي الظلمات والفقر إلى وادي النور والغنى، بسبب المراهنات ولعبة الحظ.

ومع سوء الأحوال الإقتصادية في مصر، ستنصرف الأغلبية إليها بلا شك.

لذلك : لا حل للحد من ظاهرة المراهنات إلا أن يكون داخل الناس وازع ديني، وعقيدة تحركهم بأدق تفاصيلها.

فلا شيء قادر على الجهاد مع النفس إلا تعميق مبادئ الدين السمحة، التي تحث على ترك المحرمات.

وهذا لن يحدث إلا من خلال رجال الدين فقط.

ولكن وبكل صراحة .. لا يوجد على الساحة الآن رجال دين قادرين على الإقناع، فزمن الشيخ الشعراوي قد ولى، ولا أرى انه سيعود مع أي وجه حالي.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى