اقتصاد

ستاندرد آند بورز: ديون مصر تهدد تصنيفها الائتماني

وسط تفاقم الديون وارتفاع تكاليف خدمتها، تعرّض التصنيف الائتماني لمصر لضغوط قوية دفعت وكالة “ستاندرد أند بورز” إلى تعديل النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري من إيجابية إلى مستقرة، مع الإبقاء على التصنيف عند مستوى “B-/B” للديون طويلة وقصيرة الأجل، أي في المنطقة غير المرغوب فيها بحسب تصنيفات الأسواق العالمية.

وفي السياق ذاته، أبقت وكالة “فيتش” على التصنيف ذاته مع نظرة مستقبلية مستقرة، لكنها حذرت من ضعف الوضع المالي الحكومي، والتحديات الكبيرة في إدارة الدين، وارتفاع فوائد أدوات الدين العامة.

بحسب وكالة “ستاندرد أند بورز”، فإن خدمة الدين الحكومي باتت تلتهم أكثر من نصف الإيرادات العامة، حيث من المتوقع أن تمثل فوائد الديون 58% من إجمالي الإيرادات في العام المالي 2024/2025، على أن تنخفض تدريجيًا إلى 45% بحلول عام 2027/2028، ما يشكل ضغطًا هائلًا على الموازنة العامة ويقلل من قدرة الدولة على الإنفاق التنموي والاجتماعي.

وفي تقديرات أكثر تشاؤمًا، توقعت “فيتش” أن تصل هذه النسبة إلى نحو 61% في عام 2026، ما لم يتم تحقيق تحولات كبيرة في سياسة الاقتراض أو في تدفقات النقد الأجنبي.

أظهرت بيانات البنك المركزي المصري أن حجم الدين الخارجي للبلاد ارتفع إلى 155.2 مليار دولار بنهاية الربع الأول من العام المالي الحالي، مقارنة بـ152.9 مليار دولار في نهاية العام المالي الماضي، بنسبة زيادة بلغت 1.5%.

ويتركز 82% من هذه الديون في الشريحة المتوسطة والطويلة الأجل، بينما تبلغ قيمة الديون قصيرة الأجل نحو 27.7 مليار دولار. ورغم هذا الارتفاع، فقد انخفض إجمالي الدين الخارجي بنسبة تقارب 5.7% على أساس سنوي، حيث كان يبلغ 164.5 مليار دولار في نفس الفترة من العام الماضي.

كانت الحكومة قد تلقت إشادات في السابق عقب توقيع اتفاقية “رأس الحكمة” بقيمة 35 مليار دولار، إضافة إلى حزمة دعم من الاتحاد الأوروبي بقيمة 7.4 مليار يورو، وبرنامج قرض موسع من صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار. هذه التدفقات ساعدت مؤقتًا في تعزيز التصنيف الائتماني خلال 2024، لكن سرعان ما تبخّرت آثارها أمام تحديات الدين والعجز المالي.

ويأتي هذا بينما تواجه البلاد أزمة حادة في العملة المحلية، حيث فقد الجنيه المصري نحو 2.4% من قيمته في أسبوع واحد فقط، متراجعًا من متوسط 50.5 إلى 51.75 جنيهًا للدولار، مع عودة نشاط السوق الموازية وصعوبة تدبير الدولار.

رفعت الحكومة مؤخرًا أسعار الوقود، ما دفع إلى توقعات بتراجع قيمة الجنيه مجددًا، وزيادة معدلات التضخم التي وصلت في مارس 2025 إلى 13.6% مقارنة بـ12.8% في فبراير، متجاوزة توقعات المحللين، ومعاكسة لخطط خفض أسعار الفائدة.

التضخم المرتفع لا يؤثر فقط على معيشة المواطنين، بل يعمّق أزمة الديون أيضًا، إذ يستهلك أكثر من 90% من السيولة البنكية، ما يرفع كلفة الاقتراض الحكومي ويدفع البلاد نحو حلقة مفرغة من الاستدانة.

رغم أن التصنيف الائتماني لم يتعرض لخفض جديد، إلا أن النظرة المستقرة لا تعني استقرارًا فعليًا. فالمؤشرات المالية والاقتصادية تعكس حالة هشاشة تتطلب مراجعة عاجلة للسياسات المالية، وخطة واقعية لتقليص الاعتماد على الدين، وتحفيز الإنتاج والصادرات وتقليل الواردات، حتى لا تواصل البلاد التراجع في تصنيفات قد تهدد استقرارها المالي على المدى المتوسط والبعيد.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى