مصر

المعهد القومي للتغذية: 40% من المصريين يعانون فقر الدم

في ظل الارتفاع المستمر في الأسعار، وتدهور القوة الشرائية للمواطن المصري، تتوالى التحذيرات من أزمة صحية غير مسبوقة تهدد ثلث سكان البلاد. فقد كشف مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لرئاسة مجلس الوزراء، عن إصابة نحو 40% من المصريين بمرض “فقر الدم” أو الأنيميا، الأمر الذي يعكس حجم التدهور في نوعية الغذاء والرعاية الصحية، خاصة للأطفال وتلاميذ المدارس، ويضع علامات استفهام حول كفاءة السياسات الاقتصادية والاجتماعية الحالية.

وبحسب تصريحات رسمية نُشرت في مارس 2025، أشار المعهد القومي للتغذية إلى أن هذه النسبة “مرتفعة وخطيرة”، وتتسبب في انخفاض إنتاجية الفرد، وبالتالي تؤثر سلبًا على الناتج القومي، بل وتُعدّ عبئًا اقتصاديًا على الدولة نفسها، في مفارقة لافتة حيث تساهم السياسات الحكومية نفسها في تعميق هذا العبء.

من الغذاء إلى الدواء.. تآكل الأساس الصحي

يرى خبراء تغذية وأطباء أطفال أن هذه الأرقام قد لا تعكس الصورة الكاملة، مشيرين إلى أن النسبة الحقيقية قد تتجاوز المعلنة. ويُعزى تفشي فقر الدم إلى عدة عوامل رئيسية، أهمها تراجع قدرة الأسر على شراء الغذاء الصحي الغني بالحديد والبروتين والفيتامينات، والانتشار الكبير للأطعمة الرخيصة والمصنعة التي تفتقر إلى القيم الغذائية، مثل الإندومي والمقرمشات والوجبات الجاهزة.

ويُحمّل المختصون الحكومة مسؤولية تراجع مخصصات الصحة في الموازنة العامة، مؤكدين أن ما ينص عليه الدستور المصري من تخصيص 3% من الناتج القومي لقطاع الصحة لم يُنفذ فعليًا على أرض الواقع. وفي هذا السياق، قال الدكتور محمود فؤاد، مدير مركز الحق في الدواء، إن الحكومة فشلت في توفير الرعاية الصحية الوقائية للأطفال، ولم تضع برامج جادة للكشف المبكر أو التغذية المدرسية، بل اكتفت بمبادرات محدودة كشف بعضها عن نسب مخيفة للتقزم والسمنة بين الأطفال.

التقزم والسمنة.. وجهان لأزمة واحدة

وبحسب نفس التقارير، فإن مرض التقزم بين الأطفال بلغ نحو 6%، بينما وصلت نسبة السمنة بين البالغين إلى 40%، ما يطرح تساؤلات حول نمط الغذاء المنتشر في السوق المصري، ومدى مطابقة الأطعمة المتاحة للمواصفات الصحية.

وتشير أبحاث إلى أن غياب الرقابة الفعالة على مصانع الأغذية – وخاصة غير المرخصة (مصانع “بير السلم”) – ساهم في إغراق الأسواق بأطعمة غير صحية تحتوي على مواد حافظة ودهون ضارة. كما تفتقر وسائل الإعلام والإعلانات التجارية إلى أي توعية صحية، بل على العكس، تتصدر إعلانات المنتجات الغذائية المضرة شاشات التلفزيون والموبايلات، مستهدفة الأطفال والشباب.

أين تذهب أموال الدولة؟

ويتساءل مراقبون: في ظل موازنة عامة تصل إلى تريليونات الجنيهات، لماذا لا تخصص الدولة موازنات كافية للصحة والتعليم؟ خاصة أن المواطن المصري يدفع سنويًا ما يزيد على 2.2 تريليون جنيه في صورة ضرائب، وضريبة قيمة مضافة، وجمارك، وغيرها، فيما لا تتجاوز ميزانية وزارة الصحة 320 مليار جنيه، والتعليم 295 مليار فقط.

هذا التفاوت يطرح تساؤلات حول أولويات الإنفاق الحكومي، ومدى التزام الدولة بحقوق المواطن الدستورية في العلاج المجاني والتعليم والتغذية السليمة.

أصناف غذائية مفقودة.. ومخاطر صحية كبيرة

الدكتورة أمل السيد، طبيبة أطفال، أوضحت أن فقر الدم يُضعف التركيز ويسبب التعب العام والشحوب والدوخة، ويؤثر على قدرة الأطفال على التحصيل الدراسي والنمو السليم. وأشارت إلى أن العلاج الحقيقي لا يتمثل فقط في الأدوية، بل في تغيير النمط الغذائي للأسرة، وزيادة الوعي بأهمية تناول الخضروات الطازجة والفواكه واللحوم والحديد، وهي عناصر أصبحت بعيدة عن متناول غالبية المصريين بسبب الغلاء.

الأزمة أكبر من “نقص حديد”

ما يحدث في مصر ليس مجرد أزمة صحية ناتجة عن نقص الحديد، بل هو انعكاس مباشر لانهيار اقتصادي واجتماعي. ففقر الدم اليوم أصبح عنوانًا لأمة ترزح تحت ضغوط المعيشة، وسياسات اقتصادية غير عادلة، وتخلي الدولة عن أبسط أدوارها في الرعاية.

فهل تتحرك الحكومة قبل أن تتحول الأنيميا إلى وباء وطني؟ أم أن المواطن سيظل يدفع الثمن، بين جوعٍ يتفاقم، ودواءٍ بعيد المنال؟

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى