اجتماع رئيس المخابرات المصرية مع البرهان في سياق إقليمي حساس

في لحظةٍ بالغة الحساسية من الصراع السوداني، حملت زيارة رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء حسن رشاد، إلى رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، في مدينة بورتسودان شرقي السودان، الثلاثاء الماضي، دلالات سياسية وأمنية تتجاوز الطابع البروتوكولي المعتاد، وكان لافتاً أنّ لقاء رئيس المخابرات المصرية والبرهان لم يكن معلناً عنه مسبقاً، ونُشر خبراً عابراً في صحف رسمية مصرية.
وطوال العام الماضي اتّبعت القاهرة، ما وصفته دوائر دبلوماسية مصرية، بسياسة “اليد الممدودة للجميع” في السودان، محتفظة بعلاقات مع الجيش من جهة، وبتفاهمات غير مباشرة مع قوى إقليمية داعمة لقوات الدعم السريع التي تحارب الجيش منذ 15 إبريل/ نيسان 2023 من جهة أخرى، وعلى رأسها أبو ظبي. وتزامن لقاء رئيس المخابرات المصرية والبرهان مع بلوغ التوتر بين الخرطوم وأبو ظبي ذروته، مع بدء جلسات محكمة العدل الدولية في لاهاي في الدعوى التي تتهم فيها الخرطوم أبو ظبي بـ”التواطؤ في إبادة جماعية” في غرب البلاد (إقليم دارفور) وولاية الجزيرة، على خلفية دعمها المزعوم لقوات الدعم السريع. توتر يضع مصر في موقع حساس، بين الاصطفاف إلى جانب الجيش السوداني في معركته الإقليمية، وبين محاولتها لعب دور الوسيط بيد قوية.
دلالات لقاء رئيس المخابرات المصرية والبرهان من الناحية الرمزية، يحمل لقاء رئيس المخابرات المصرية والبرهان في بورتسودان، التي أصبحت المقرّ البديل للسلطة السودانية بعد انهيار الخرطوم (أعاد الجيش السيطرة عليها الشهر الماضي)، إشارة واضحة على استمرار الدعم السياسي والأمني المصري للمؤسسة العسكرية السودانية، لكن زيارة رشاد تأتي أيضاً بعد تغييرات ملحوظة في موازين القوة على الأرض، من بينها تقدم الجيش في مناطق استراتيجية في العاصمة، وتزايد الضغط الدولي على قوات الدعم السريع بسبب الانتهاكات المزعومة.
تقارير عربية أولويات المقاربة المصرية في حرب السودان
وتبدو القاهرة، التي لطالما رفضت تفكيك الجيش السوداني أو دمجه قسراً، أكثر ارتياحاً الآن لمعادلة تعيد إلى الجيش زمام المبادرة، ورغم أن القاهرة لم تعلّق رسمياً على الدعوى، إلّا أن تحركاتها الميدانية تشير إلى رغبة في تحجيم النفوذ الإماراتي شرق السودان، خصوصاً في الموانئ الحيوية على البحر الأحمر، كما أن القاهرة تدرك أن استمرار الصراع على هذا النحو قد يفتح الباب أمام تدخلات إقليمية ودولية غير مرغوبة، تهدد توازن القوى في القرن الأفريقي، وتعيد خلط أوراق البحر الأحمر. وقد تكون زيارة رشاد، بكل ما تحمله من رمزية أمنية، بمثابة رسالة مزدوجة: دعم غير مشروط للجيش السوداني، وتحذير مبطن من أنّ دور القاهرة لن يظل صامتاً في لحظة تقرير مصير السودان، فبينما يتجه السودان إلى معركة قانونية غير مسبوقة ضد الإمارات، تتجه مصر على ما يبدو إلى معركة نفوذ أكثر هدوءاً، لكنها لا تقل حسماً.
توقيت حساس حول لقاء رئيس المخابرات المصرية والبرهان في بورتسودان، قالت الخبيرة في الشؤون الأفريقية، نجلاء مرعي، في تصريحات لـ”العربي الجديد”، إن رشاد نقل رسائل مباشرة عدّة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى القيادة السودانية، وأضافت أنه “لا يمكن قراءة الزيارة بمعزل عن توقيتها، لا سيّما في ظل التطورات الإقليمية الجارية، واستعادة الجيش السوداني مواقع استراتيجية داخل العاصمة الخرطوم، بما في ذلك القصر الجمهوري، وهو ما يُعدّ تمهيداً لعودة رمزية ومؤسّسية للدولة السودانية إلى مركزها الطبيعي”.
نجلاء مرعي: اللقاء يحمل بعداً أمنياً واضحاً، إذ حضره مسؤولون أمنيون سودانيون
واعتبرت أن الزيارة، رغم أنها قد تبدو من الخارج رسالة تعاون أو ود مشترك، إلا أنها “تحمل دلالات أعمق تتصل بالتحولات في المشهد الإقليمي والسوداني”، مشيرة إلى أن القاهرة “تدرك تماماً أن ما يجري في السودان حالياً ليس مجرد تطورات ميدانية، بل إعادة تشكيل للخريطة السياسية والأمنية في المنطقة”، ولفتت مرعي إلى أن اللقاء بين رئيس المخابرات المصرية والبرهان “كان يحمل بعداً أمنياً واضحاً، إذ حضره مسؤولون أمنيون سودانيون”، مضيفة أنّ “الرسالة التي أراد السودان إيصالها هي أنه يعيد ترتيب الداخل، ويعمل على تأمين حدوده، خصوصاً مع مصر، في ظل احتمالات تصعيد من قوات الدعم السريع شمالاً، وهو ما يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري”.
أخبار السودان: 57 قتيلاً بهجمات لقوات الدعم السريع على الفاشر ومخيّم زمزم
وبرأيها فإنّ القاهرة “لا تريد أن تتفاجأ بأيّ تغيّرات ميدانية لا تتسق مع مصالحها، وتسعى لأن تكون مطلعة ومتناغمة مع التطورات”، مشيرة إلى أن استعادة الجيش السوداني زمام المبادرة في الخرطوم وولاية الجزيرة، يدفع القاهرة لتأكيد دعمها للدولة السودانية ومؤسساتها الأمنية والسياسية. ووفق مرعي، فإن “الزيارة الأخيرة لا يمكن فصلها عن محاولات السودان استعادة موقعه الإقليمي، سواءً في الجامعة العربية أو في الاتحاد الأفريقي”، وذلك يشيرُ إلى أن “الخرطوم تسعى إلى إعادة تثبيت موقعها لاعباً أساسياً في محيطها العربي والأفريقي، والقاهرة تدرك ذلك جيداً، وتتحرك وفقاً له”.
الخضر هارون: مصر أكثر الأطراف الإقليمية انشغالاً بما يجري في السودان
من جهته قال السفير السوداني السابق لدى الولايات المتحدة الخضر هارون، في تصريحات لـ”العربي الجديد”، إنه لا يستغرب لقاء رئيس المخابرات المصرية والبرهان أخيراً، مشيراً إلى أن “الانتصارات الأخيرة التي حققها الجيش السوداني في الخرطوم، إلى جانب الحراك الإقليمي والدولي المتسارع، خصوصاً ما يتعلق بملف تهجير الفلسطينيين، تضع مصر في موقع حساس، وتجعلها أكثر الأطراف الإقليمية انشغالاً بما يجري في السودان”، ولم يستبعد هارون أن تلعب القاهرة دوراً محورياً، وتكون جسراً للتواصل بين حكومة السودان والدول الفاعلة دولياً، مستفيدة من علاقاتها الدولية الواسعة. وقال إنه “بحكم ما لمصر من علاقات ممتدة مع القوى الدولية الكبرى، يمكنها أن تسهم في إعادة إدماج السودان في النظام الدولي، خصوصاً في لحظة يبدو فيها أن الخرطوم تحاول استعادة موقعها الإقليمي والدولي”.