مقالات وآراء

‬ د. عدنان منصور : عندما تقف دول العالم في وجه ترامب!

يوم الثاني من نيسان/ أبريل 2025، يوم الجنون الأميركي الذي أعلن فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن حملة رسوم جمركيّة شملت 60 دولة في العالم، رسوم تراوحت بين 10% و104% كما هو الحال مع الصين الآن.

ترامب اعتبر خطوته هذه، على أنّها «يوم تحرير» للاقتصاد الأميركي، ووضع حدّ لـ «نهب أميركا» من قبل دول صديقة وعدوة! رغم اعتراض العديد في الداخل الأميركي، والانقسام حول قراراته، أعلن ترامب بلغة الكاوبوي، أنه «لن نتفاوض إلا إذا دفعوا لنا المليارات»!.

إنّ ما دفع ترامب لشنّ حرب الرسوم الجمركية، هو عجز الميزان التجاري للولايات المتحدة مع عدد كبير من الدول، لا سيما دول الاقتصادات الكبرى الأبرز في العالم، كالاتحاد الأوروبي، والصين، واليابان، وكندا، وكوريا الجنوبية، والهند، والمكسيك، وفيتنام.

الإحصاءات تشير إلى أن مجمل الصادرات الأميركيّة لدول العالم عام 2023، بلغت 2 ترليون و19 مليار دولار، فيما الواردات بلغت 3 ترليون و172 مليار دولار،

مما يعني أنّ عجز الميزان التجاري للولايات المتحدة بلغ 1 ترليون و19 مليار دولار! عام 2024 بلغ عجز الميزان التجاري مع كل من الاتحاد الأوروبي 64 مليار دولار، الصين 295.4 مليار دولار، اليابان 55 مليار دولار، المكسيك عام 2023 بلغ 162 مليار دولار،

وفقاً لبيانات خدمة أبحاث الكونغرس، كندا 53.5 مليار دولار عام 2022، و41 ملياراً عام 2023 وفقاً لمكتب USTR (الممثل التجاري للولايات المتحدة، وهو وكالة تابعة للحكومة الأميركية، ومسؤولة عن تطوير وتعزيز سياسات التجارة الخارجية للولايات المتحدة)، الهند 27 مليار دولار، كوريا الجنوبية 18 مليار دولار.

أما فيتنام، التي هي سادس أكبر دولة مصدّرة للولايات المتحدة، فقد بلغت قيمة صادراتها 142.4 مليار دولار، ووارداتها 18.9 مليار دولار مما جعلها هدفاً رئيساً لترامب كي يفرض عليها أعلى الرسوم الجمركية 49%، بعد أن بلغ عجز الميزان التجاري الأميركي معها 123.5 مليار دولار.

الأرقام الآنفة الذكر، تبيّن أنّ عجز الميزان التجاري الأميركي مع ثماني دول بلغ 816 مليار دولار. هل كان ترامب يتصوّر وهو يستعدّ لفرض رسومه الأحاديّة الجانب، على السلع المستوردة، أنّ ردود فعل قويّة ستصدر في الداخل الأميركي، كما ستصدر عن العديد من الدول الحليفة والصديقة والعدوة للولايات المتحدة، بعد أن تعوّد ترامب على فرض عقوبات اقتصادية ومالية على دول مثل كوريا الشمالية، وروسيا، وإيران، وفنزويلا، وكوبا، وسورية، ولبنان

وعلى أفراد، وهيئات، وشركات صينية وغير صينية، دون أن يجد من يردع قراراته؟! لكن المفاجأة التي لم يتوقعها وينتظرها ترامب، هي أنّ الرسوم الجمركية المفروضة على سلع دول العالم المصدّرة للولايات المتحدة لم تمرّ بسهولة كما كان يتصوّر، ويحقق بالتالي هدفه منها. هل كان ترامب يتوقع، أنّ الحلفاء والأصدقاء والأعداء سيقفون في وجهه، وسيتعاطون معه الندّ للندّ؟!

وأنّ قراراته سيترتّب عنها تهاوي المؤشرات المالية، والبورصات، وجنوح الاقتصاد العالمي نحو الركود، وتشريع الأبواب أمام حرب تجارية تشتعل مع الحلفاء والخصوم لواشنطن على السواء، بعد أن تسبّبت قراراته بتراجع مؤشر نيكاي الياباني، وبورصة شنغهاي، بورصة هونغ كونغ، فيما هبطت العقود الآجلة، وأسهم الشركات الأميركية والعالمية بنسب مرتفعة.

كان ردّ الدول على رسوم ترامب هو المعاملة بالمثل، التي قلبت الموازين، وأحدثت بلبلة على الصعيد الاقتصادي والتجاري، والمالي العالمي، ووضعت ترامب في مأزق، بعد أن فرضت الدول رسوماً مماثلة على الصادرات الأميركية إليها، ما جعل ترامب يهيج، ويثور محذراً أيّ دولة «تفرض علينا رسوماً جمركية انتقامية، ستقابل فوراً برسوم جديدة أعلى بكثير من الرسوم المفروضة حالياً.

كما توعّد ترامب أيضاً الصين برسوم إضافيّة بنسبة 50%، ما لم تسحب الرسوم الانتقاميّة التي فرضتها بنسبة مماثلة 34%، مما سيرفع الرسوم الجمركية المفروضة عليها إلى 104% اعتباراً من 9 نيسان/ أبريل الحالي، وهذا ما حصل فعلاً. المتحدث الرسمي باسم وزارة التجارة الصينية، ردّ على القرار الأميركي بقوله: «الضغط والتهديد والابتزاز ليسوا الطريقة الصحيحة للتعامل مع الصين.

وإذا أرادوا القتال سنقاتل حتى النهاية». أما الخارجية الصينية، فقد رأت في الرسوم الجمركية المفروضة على الصين على أنها «نموذج للأحادية والتنمّر الاقتصادي». كما اعتبرت أنّ تهديد ترامب بزيادة الرسوم الجمركية التي ستفرض على الصين «خطأ مضاعفاً يكشف مجدّداً طبيعة الابتزاز لدى الولايات المتحدة».

هل كان ترامب يتوقع أنّ رسومه الجمركية التي فرضها على دول العالم، لن تمرّ بشكل هادئ وطبيعي، دون ايّ ردّ فعل مؤثر من جانبها؟! من غرائب الأمور، أنّ ترامب أراد من رسومه الجمركية كما صرّح مؤخراً وقف «نهب» الدول للولايات المتحدة على حدّ زعمه! حقيقة الأمور تدفعنا إلى التساؤل: مَن نهب مَن؟! مَن نهب وينهب ثروات دول في أميركا اللاتينية، وأفريقيا والشرق الأوسط، وآسيا منذ عقود طويلة؟!

مَن يبتز ويفرض الخوّات على الدول بالتخويف والترهيب والتهديد والوعيد، لجلب أموالها وثرواتها إلى الولايات المتحدة بغية استثمارها في الداخل الأميركي؟! لمن تنتمي الشركات التي تنهب النفط والغاز وتجني ثرواتها الهائلة من الدول المنتجة لها؟! مَن ينهب العالم من خلال عملة عالمية تفرض عليه، ولا تغطية لها؟! هل الدول تنهب الولايات المتحدة التي بلغت مبيعاتها من الأسلحة 318.7 مليار دولار عام 2024، مع ما يرافق ذلك من حروب، وفوضى «خلاقة»، وثورات هنا وهناك، تشعلها وتغذيها الإمبراطورية العظمى؟!

هل الدول التي تعاني من الحصار، والعقوبات، والفقر، والاستغلال، والديون المرهقة، تنهب الولايات المتحدة؟! هل الـ 74 بلداً في العالم، التي يقلّ فيها نصيب الفرد السنوي من الدخل القومي الإجمالي عن 1350 دولاراً، فيما ديونها العامة الخارجية في عام 2022 بلغت 1.1 ترليون دولار، هي التي تنهب الولايات المتحدة؟!

هل مملكة ليسوتو الأفريقية، أفقر دولة في العالم، تنهب الولايات المتحدة، حيث يبلغ إنتاجها القومي فقط 2 مليار دولار، ودخل الفرد السنوي فيها 975 دولاراً، والتي تهكم عليها ترامب مؤخراً، مستهزئاً بها، وفارضاً رسوماً جمركية %50 على صادراتها المتواضعة البالغة 237 مليون دولار؟! حرب ترامب التجارية، ومغامرات الرسوم المفروضة، ستنجم عنها تبعات وتداعيات خطيرة على اقتصادات الدول، وبالذات على اقتصاد الولايات المتحدة الأكبر في العالم.

هذا ما جعل رئيس وزراء كندا ترودو يصف الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، «أنها تؤدي إلى تمزيق الاقتصاد العالمي»، فيما ذكرت الوكالة العالمية للخدمات الإخبارية والإعلامية، والمعلومات المالية (بلومبيرغ)، أن 9.5 ترليون دولار تبخّرت من البورصات العالمية بعد يوم واحد من تطبيق الرسوم الجمركية.

لجوء دول العالم إلى سياسة الفعل وردّ الفعل، ستدخلها في أزمات خطيرة، ليس من السهل تجاوزها دون تكلفة باهظة، حيث الجميع سيعاني منها، إن لم تتداركها القوى الكبرى المعنية، وبالذات الولايات المتحدة التي قد يرى رئيسها عاجلاً أم آجلاً، انه لا بدّ له من إعادة النظر في قراراته الخطيرة التي لن تجرّ للعالم سوى الفوضى والأزمات، وانهيار اقتصادات، وارتفاع نسب التضخم، وإفلاس مؤسسات وشركات عالمية، وركود اقتصادي، وارتفاع الأسعار، ومعدل البطالة على مساحة القارات الخمس.

إذا كان ترامب يراهن على الوقت، ويعتبر أنّ هدفه سيتحقق في نهاية المطاف رغم العوائق العديدة، وردود فعل الدول المعنية، فهذا الرهان كما يبدو اليوم مخاطرة كبيرة، لأنّ الإجراءات العكسيّة المتبادلة للدول على قراراته ليست بالأمر السهل، بل هي قوية وندية. كما أنّ تطورات الأحداث الناجمة عنها، ونتائج قراراته الجمركية، قد لا توصله إلى غايته المرجوة.

عندها سيجد ترامب أنّ حساب الحقل لا ينطبق على حساب البيدر، وأنه لا بدّ له من إعادة النظر والتراجع عن قراراته أو الحدّ منها، وإنْ كان التراجع قاسياً ومكلفاً معنوياً ومادياً له وللولايات المتحدة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى