شباك نورمقالات وآراء

د.أيمن نور يكتب: تصريحات مدبولي فضيحة سياسية وشهادة وفاة للسلطة

أن تسمع من رئيس حكومة بلادك أنه لا يعرف ماذا سيحدث غدًا، ولا يقدر على وضع رؤية لشهر قادم، فهذه ليست فقط فضيحة سياسية، بل إعلان إفلاس استراتيجي، وشهادة وفاة موثّقة لسلطة لا تؤمن بالتخطيط، ولا تعرف من الدولة سوى أنها يوم عابر في دفتر الوقت.

محدش عارف بكرة فيه إيه”.. ليست عبارة عابرة، بل جملة كاشفة لذهنية الهواة، الذين اختزلوا إدارة دولة كمصر في منطق الترقب، والعشوائية، والارتجال. كأننا أمام سلطة تمسك الساعة لا لتقيس الزمن، بل لتعد به أنفاس الصدفة.

مصر في حكم السيسي لا تُدار، بل تُرتجل. لا تُبنى، بل تُرهق. منطق الدولة غائب، والاستراتيجية غائبة، والخطة لا وجود لها. ومصر ليست حانة تتبدل فيها الأدوار، بل وطن يتطلب من يحترف السياسة لا من يتعلمها على جثته.

مصر هي مؤسسة المؤسسات، ويجب أن تكون لها استراتيجية تنقسم إلى خطط، والخطط تتوزع على سياسات، ويكون دور السلطة أو من بيده القرار هو أن يعدل ويغيّر ويرمّم السياسات، التي هي بطبيعتها قابلة لأن يطرأ عليها ما ليس في الحسبان. لكن يجب أن تظل الخطة متمتعة بقدر مناسب من الثبات، بينما الاستراتيجية راسخة كالجبال.

أما أن نسمع من رئيس وزراء يقول: “كل يوم فيه تغيير والناس مش عارفة تتصور عبء التحدي”، فهي محاولة لتزييف وعي الناس، والإيحاء بأن الأزمة من خارجهم لا من داخل هذه المنظومة المترنحة، التي صنعت بنفسها معظم كوارثها، لا الظروف.

نعم، قد يكون للأوضاع العالمية تأثير، وقد يكون لاقتصاد العالم صدى في اقتصادنا، لكن هل التأثير دائمًا بنفس الاتجاه؟ فإذا كانت أسعار البترول العالمية قد انخفضت خلال الأيام الماضية، فلماذا أقدمت حكومة مصطفى مدبولي على رفع أسعار المحروقات في الداخل؟! لماذا خفّضت دول كالأردن وتركيا الأسعار، بينما قررت مصر أن تذهب عكس التيار؟

الحقيقة أن الأزمة ليست في الخارج، بل في الداخل: في سوء الإدارة، في غياب الشفافية، في التوظيف العشوائي للموارد، وفي الفساد الذي لا يعترف بمحاسبة.

الأزمة ليست في الحروب، بل في الإصرار على الإنفاق على مشروعات بلا عائد حقيقي، وفي الانهيار التدريجي للقطاع الصناعي، وفي هروب الاستثمارات، وفي تحويل التعليم إلى شهادة، والصحة إلى أزمة، والعدالة إلى ترف.

من لا يستطيع أن يحمل عبء مواجهة إدارة بلد مثل مصر، عليه أن يحمل عصاه ويرحل.

لسنا في حاجة إلى مسؤولين يبررون الارتباك بالقدر، ويُرجعون العجز إلى تقلبات الكون. لسنا في حاجة إلى من يظن أن الفقر قدر، والظلم نظام كوني، والفشل مجرد ظرف عابر.

الكارثة ليست أن تكون الرؤية غامضة، بل أن يكون الضباب هو البرنامج، وأن تتحول العشوائية إلى سياسة، والارتباك إلى مشروع حكم. إنها الدولة التي باتت تخاف من الزمن، لأن ساستها بلا ساعة، وبلا بوصلة، وبلا عقل.

فليتوقفوا عن الكذب. لأن أكبر كذبة في هذا الوطن، هي أن ما نحن فيه قدر. الحقيقة أن ما نحن فيه صُنع بفشل ممنهج، بإصرار على الخطأ، وباحتقارٍ لفكرة التخطيط. كفى ارتجالًا.. كفى استغباءً لشعبٍ يستحق الأفضل.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى