
أسوأ ما يمكن أن يواجه فكرة، أو يُعاند حلمًا، أو يقف حجر عثرة أمام قافلة بشرية تتلمّس طريقها نحو النجاه، هو ذلك العداء المُبطّن،لكل ما هو جديد. عداء التغيير، وعداء التطوير، وعداء التقدّم.
لا شيء أكثر خطورة من أولئك الذين يعادون ما لا يفهمون، و ﻻيدركون ما هم عليه مقدمون، ويتوهمون أنهم وحدهم مَن يفهمون. أولئك الذين يرتجفون كلما سمعوا كلمة «تحديث»، وكأنها لعنة لا بشرى. يرفضون كل محاولة للنهوض، فقط لأنهم وُلدوا على الأرض ويخشون السُّلم المؤدي إلى النجاه.
في التجربة الإنسانية، نلمح هذه الحالة: عداءٌ فطريٌّ لدى بعض الشعوب أو الأفراد، تجاه التغيير حتى لو حمل لهم الخير، وفتح لهم أبواب النجاة. كأنهم يفضلون جُحرهم المظلم، على نافذة تُشرع على النور. وكأن لسان حالهم يقول:
«اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش»..
غير مدركين أن ما يعرفونه قد يكون هو سبب سقوطهم المستمر في الهاوية.
كنت مسؤولًا عن عمل، و عرفت ان أحد العاملين ، له صلة بجهات كانت تكنّ العداء لهذا المشروع لمجرد أنه لا يسير في ركب النظام القائم. اعترف لي هذا الشخص بأنه قد كُلّف بمهمة محدده وهي:
أن يبثّ شائعات واضاليل، وكلما شعر أن الأجواء هدأت، يكرر مسعاه بإشاعة هنا أو كذبة هناك.
فإذا رأى خطوة تطوير ادعي انه لا يفهمها، و يحرض الآخرين ضدها، باعتبارها تراجعًا لا تقدمًا.
تذكّرت يومها ما قاله بريماكوف، أحد كبار مسؤولي الاستخبارات الروسية، حين اكتشف جاسوسًا ضمن قيادات الحزب الشيوعي. وعندما سُئل الجاسوس عن طبيعة اتصاله بالجهة التي جندته، قال إنها كانت التقته ،مرة وحيدة خلال أربعين سنة. قالوا له: “وماذا طلبوا منك؟”
قال:
“قيل لي فقط: إذا خُيّرت، فاختر الأسوأ دائمًا في أي ترشيح أو قرار”.
كم من بلادٍ انهارت، لأن القرار كان بيد مَن اختار الأسوأ عن قصد، أو عن جهل