شباك نورمقالات وآراء

د.أيمن نور يكتب: ورقة أولى من مذكراتي..لماذا أكتب الآن مذكراتي؟ سأقول كل شيء عن كل شيء


بعد نشر أوراق من مذكراتي، يسألني البعض: لماذا الآن؟ وهل هو ميل للسرد؟ أم مكاشفة، قد تُغضب البعض؟ فقررت اليوم أن أوضح في هذا المقال، كل ما كان ينبغي من البداية أن يُقال.

أحسب أني لا أكتب هذه الصفحات، لأروي فقط – بعضًا – مما حدث… بل لأقول ما كان ينبغي – أصلًا – أن يحدث، وكل ما كان ينبغي أن يُقال. لا أكتب هذه الأوراق لأنني أهوى الحكي، بل لأن بعض الحكايات ترفض أن تُنسى، وبعض الجراح لا تندمل، إلا إذا تحولت وتطهرت بحبر حي.

هذه ليست مذكرات سياسيٍ هزمته السلطة، ولا اعترافات رجلٍ لم تهزمه الأيام، حتى لو هزمته لحظات. فقد انتصرت له الأيام في كثير من الأوقات، هي فصول من سيرة وطنٍ مصلوبٍ على أبواب الطغاة، وسيرة رجلٍ قرر أن يقول “لا” حيث تواطأ الجميع على “نعم”.

لا أكتب هذه الصفحات لإبراء الذمة فحسب، ولا لأقول – في ختام الرحلة – إني بلا أخطاء، وأحمد الله أنه لم يحرمني من حق الخطأ، الذي لولاه ما عرفت الصواب، وأشكر فضله أنه عصمني من الخطايا.

أعدكم، أنه في كل سطر من هذه الأوراق، ستهبّ رياحُ صدق وتجرد، قد تُغضب البعض، وقد تُنصف البعض.
سأفتح ثغرات وثقوبًا مظلمة في حياتي شخصيًا، وفي حياة الوطن، قد تهب منها رياح عاتية.
لكنها تبقى، حكايات حقيقية، معفرة بتراب الواقع، منها ما كان بين غياهب الزنازين، وصدى الميكروفونات، ورائحة مقاعد البرلمان، التي فرّ منها الصدق، واستوطنتها الصفقات والمساومات، وتربع عليها أنصاف الرجال وأرباع المؤهلين.

ستعبر بكم هذه الأوراق، بين زحمة الميادين، وصمت المنفى، بين أسرار مؤتمر انتخابي، سقطت منصته في المحلة، وحكاية الوزير الذي قتل أبي، ودهاليز مظلمة في سجن القلعة.

بين قصص حب الطفولة، وأوجاع شخصية لم تُروَ من قبل، وهتاف الشباب في الشوارع، وهمس المؤامرة في صالونٍ رئاسي، مراقب، وضابط شاب من الحرس الجمهوري، أدخل في روعي أنه سيقتل مرسي، وأسرار إجهاض تشكيل حكومة ائتلافية، وأسرار المكالمة التي غادرت بعدها مصر بثماني ساعات. وزيارة مدير المخابرات العسكرية، التي غادرت بعدها بساعات الأراضي اللبنانية.

مئات من الوقائع المطوية

فهي ليست توثيقًا باردًا لوقائع، بل شهادة حية، ساخنة، كتبت بعضها في ذاكرتي على ضوء شمعة في زنزانة، بسجن طرة، أو على حافة منفى، في مدينة غريبة، أو في لحظة نادرة من صفاء القلب كسرًا لضجيج وأكاذيب ومجاملات السياسة.

كتبتها لأنني أحب هذا الوطن، وأكره ما صار إليه.
فكنت جزءًا من حلمه، وبعضًا من ألمه، كما كنت شاهدًا على كسره.

ما بين «الغد» وغد الثورة و«الشرق» و«أوجاع الغربة»، ما بين مبارك وأبوغزالة والسيسي،
وسرور، ما بين وفؤاد سراج الدين، ونعمان جمعة،
بين براءة الفكرة وخيانة العملاء، وحكايات المندسين، ومؤامرة الخائنين… نسجت هذه الأوراق لتكون مرآةً للحقيقة، لا لوجه صاحبها، بل لوجه أمةٍ تبحث عن نفسها منذ قرون.

ربما… تكون هذه المذكرات هي كل ما تبقى لي من أدوات المقاومة، فقلمي الآن هو بندقيتي، وذاكرتي هي درعي، وصدقي هو آخر ما أملك في زمنٍ كَثُر فيه البائعون، وقلّ فيه الصادقون

أكتب لكم هذه الأوراق طازجة من وراء جدران المنفى، كلمات قد تُغضب وتُربك السلطان، لكنها قد تُلهم الإنسان.
بمزيج من الحنين للمعرفة والحنكة، وتحيل مآسي الأمة إلى نصوصٍ شاهدة. فكل مقطع منها، طلقة نور في عتمة وطنٍ يئن من عتمة الظلام… تابعوا الحلقة السابقة والقادمة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى