د.أحمد سالم في حوار خاص لأخبار الغد: التعليم رمانة الميزان في المجتمع..ولا جدوى من محاولات تجديد الخطاب الديني بمعزل عن العلوم الإنسانية

حوار: علي الصاوي
قال الدكتور أحمد سالم أستاذ الفلسفة بجامعة طنطا إن التعليم هو أساس النهضة في أى مجتمع شريطة أن يكون لدى السلطة السياسية رغبة في إصلاح التعليم واتخاذه كقاعدة انطلاق نحو التقدم.
وأضاف في حوار خاص لموقع أخبار الغد أن السلطة الدينية في مصر لديها مكتسبات كثيرة وأن محاولات تجديد الخطاب الديني لن تتقدم خطوة واحدة بمعزل عن العلوم الإنسانية، وهذا هو مناط الخلاف بين السلطة الدينية والسلطة الثقافية، لأن الذي ينظر إلى الخطاب الديني من الداخل يجده محمل بخطاب تراثي وتكرار النمط القديم بأن الأولين قد قالوا كل شيء وليس في الإمكان أبدع مما كان.

وأوضح في حديثه أهمية دور النخب الثقافية في المجتمع وترقيته فكريا بشرط أن تُخلص هذه النخبة في عملها وتقوم بدور إصلاحي والإشارة بالفكر والعلم على مواطن الخلل حتى لو أزعج ذلك السلطة السياسية، مشيرا إلى أهمية الحريات العامة في توليد الفكر البناء والإبداع وإضفاء روح الحداثة في كافة المجالات بالمجتمع.
وجاء نص الحوار كالتالي:
رأينا لكم أكثر من حوار على منصة ذات مصر، وكانت لا تخلو من حرارة الأنفاس والغضب من النخب المصرية الحالية وتدنى مستوى التعليم، فكيف السبيل للخروج من دوائر النخبة المهيمنة على المشهد الحالي؟ ولماذا كان جُلّ حديثك عن التعليم خاصة الجامعي أليس التعليم جزء من كل؟ فهناك كثير من القطاعات في مصر تعاني هى الأخرى من الإهمال والتدني؟
أي مجتمع لا بد وأن يكون له بناء عمران إما أن يكون البناء السياسي هو أساس كل العمران وإما أن يكون البناء التعليمي والقانوني أساس كل العمران، في المجتمعات الأوروبية ومن خلال الأنظمة الليبرالية التي تحكمها القاعدة في النظام التعليمي هو النظام القانوني، وبالتالي تتطور حركة العمران، أما في الشرق تظل قاعدة البناء السياسي هى الأساس في تشكيل المجتمع في كل البنايات، لذلك فإن مركزية البناء السياسي هى فكرة حاضرة في الشرق والعالم العربي، وإذا نظرنا إلى تجارب النهضة في مصر اعتبر أن البناء السياسي تبعه تطور في البناء التعليمي والبناء القانوني، ثم بعد ذلك امتد التطور في كل العمران.
وإذا نظرنا إلى التجربة الصينية نجد أن النظام السياسي وضع البناء التعليمي أولا ثم القانوني وانتقل بالصين تدريجيا من دولة مقلدة إلى دولة منتجة للتكنولوجيا، لذلك أقول: إن الشرق لن يقيم بناء تعليمي وقانوني إلا بإرادة أصحاب القرار السياسي، بشرط أن تُوكل هذه الإرادة إلى نخب اجتماعية حيّة، وأنا أرى أن النخب عندنا إذا قال رئيس الدولة نعم رددوا وراءه نعم، وإذا قال لا رددوا لا، وليس هذا هو المطلوب، بل المطلوب أن تُرى النخبة صاحب السلطة ما لا يراه، وتشير إلى مواضع الخلل وتضع الحلول اللازمة، فالتعليم هو دائرة من دوائر الإصلاح، لأنه أساس كل بناء في المجتمع، تكوين الإنسان يبدأ من التعليم.
التشخيص السليم أولى مراحل العلاج فهل ترى أن المشكلة في التعليم نفسه أم في مناهج التعليم؟ وهل مصر بحاجة إلى تعليم أم تعلّم؟
لازم أكون صادقا معك، التعليم عبارة عن أبنية، عقول تدير متوفر لها أبنية ومعامل وتكنولوجيا، فأخطر شيء في التعليم هو العقل الذي يدير والعقل الذي يصنع أبنية التعليم المتمثلة في المناهج والمقررات، لأن المناهج هي نتاج العقل المفكر، على سبيل المثال لو أحببت أن أوجه وعى الشباب في مصر لأى قضية فلا بد أن أوجه المناهج لتلك القضية، لذلك لن تستطيع مصر إصلاح التعليم مرة واحدة، كونها بحاجة إلى وضع خلاصة العقول لديها في أماكن تنتج الأبحاث الدورية، وتكون في تواصل مع الغرب وعمل مشاريع علمية لمصر ذات صلة بالتكنولوجيا، الأمر الثاني هو خلق بؤر تعليمية حيّة تنتج نخبا حقيقية تساهم في تطوير التعليم في المستقبل.
هل من الممكن أن يلتقى العقل الفلسفي بنزعته التأملية والتساؤلية مع الخطاب الديني الحالي على أرضية مشتركة من التوافق والاكتمال؟
هناك علاقة متشابكة بين السلطة السياسية والسلطة الدينية والسلطة الثقافية، والسلطة السياسية إذا فقدت المشروعية في جوانب تبحث في السلطة الدينية ما يغطي لها المشروعية في تلك الجوانب، والسلطة السياسية تبحث في السلطة الثقافية ما يدعم خياراتها، وليس المعارض لخياراتها، لكن السلطة الدينية هى الأكثر تأثيرا عن الجميع، لأن السلطة الدينية في مجتمع متدين بطبعة لا يفكر فقهيا إلا في الحلال والحرام، بعيدا عن الممارسات الواقعية، فهذا لا يهم، لكن المهم أن تبقى السلطة الدينية ضابطة للمجتمع، ومن هنا يحدث صدام بين السلطة الثقافية والدينية كونها صاحبة اجتهاد قد يتعارض مع السلطة الدينية، كونها تُغلّب العقلانية على أى شيء آخر، وترى أن هناك خطاب فقهي تاريخي هو سبب أزمات الواقع، وترى أن تجديد الخطاب الديني لا يتحقق إلا عن طريق النظر إليه من الخارج من منظور العلوم الإنسانية.
قرأنا لكم في حوار بصحيفة الأهرام أنك تتفق مع قول الباحث الإيراني عبد الكريم شروش إن الإسلام دين علماني بامتياز، كيف ذلك؟
ليس القصد منه العلمانية الكاثوليكية المتطرفة التي تؤيد إبعاد الدين عن مجمل الحياة العامة، وتجعل الدين في الكنائس وحق الإلحاد مكفول، هناك من ترجم العلمانية بالدنيوية والانكباب على الدنيا والتمتع بها بلا ضابط، فالعلمانية من العلم ومن يقول إنها فكر مستورد فلا بد أن نؤصله من بنية ثقافتنا، وأن يكون للعقل دورا في فهم كثير من المسائل الدينية وفك لغطها، وإذا نظرنا نجد أن مقاصد الشريعة خمسة مقاصد، واحدة لله وأربعة للمجتمع، وتلك المقاصد بحاجة إلى العقل والفهم للحفاظ عليها، لذلك هناك من يريد إغراق الدين بالكلية في الغيبيات، ولا نُعيد حياة الدين في حركة الاجتماع وهذا هو المقصود، فالدين العدل، الحرية، البناء، الإصلاح، الدين كرامة الإنسان، فالدين ليس كما يروجون له طاعة الحاكم من طاعة الله، والجنة والنار، وعذاب القبر ونعيمه، لأن هذا المفهوم يصب في مصلحة أى سلطة دينية أو سياسية.
يقول البعض إن الخطاب السياسي هو الآخر بحاجة إلى تجديد كونه لا يخلو من استقطاب وإقصاء، فما الفرق بين الخطاب الديني والسياسي؟ وهل هو بحاجة إلى تجديد؟
تطوير كلا من الخطاب الديني والسياسي يرتهن بالاستعانة بأصحاب السلطة الثقافية، والتي أراها أضعف طائفة بعد السلطة السياسية والدينية، فمن أجل أن يُلقى رئيس الدولة خطابا مقنعا للشعب فلا بد أن يلجأ إلى عقل واعٍ بكتابة كلمات الخطاب السياسي، وهذا هو دور رجل الثقافة، أن يُقدم رجل السياسة في أبهى حلة، لذلك كان الرئيس عبد الناصر بارعا ومقنعا في خطاباته كونه على درجة عالية من الثقافة، فعرف كيف يخاطب الجماهير ويسوسهم بكلمة.