
لا يعرف مرارة طعم الظلم أكثر ممن ذاقها.
وأنا – تجرعتها في حياتي خمس مرات، آخرها لقرابة خمسة أعوام- تذوقت مراراته ،في كل لحظة،
وما زالت تسكنني همسات من تركتهم خلف الأسوار، لا تنسونا!
محمد حسن هلال، شاب مصري لم يمت في حرب، ولا في ثورة، بل مات في مكان كان يجب أن يحفظ حياته، لا أن يسلبها.
خرج من محكوميته، لكنه لم يخرج من السجون …
نُقل إلى مستشفى القصر العيني محمولًا على آلام بدنية وآثار خطيرة، ليُسلم روحه ليكون شاهدًا جديدًا على وطن يُعيد صناعة الموت كل يوم داخل سجونه.
لم تكن هذه الوفاة استثناءً، بل باتت وكأنها قاعدة تتكرر بصور شتى. سجون مصر لم تعد مؤسسات للإصلاح، بل مقابر مفتوحة تُخفي تحتها عشرات القصص المنسية، وآلاف الأرواح المهددة، وأحلامًا قُطعت في نصف الطريق.
من عاش تجربة الزنازين، يعرف أن الخطر لا يكمن في القضبان فقط، بل في العقيدة ، التي تُعامل المواطن كمشتبه به، والحرية كجريمة، والمعارضة كخيانة.
مأساة محمد هلال تُلخص معاناة جيلٍ كامل. جيل سُجن ،من أجل رأيه، عُذب من أجل حلمه، وواجه الموت لمجرد أنه آمن بالكرامة والحرية.
اليوم، علينا أن نقولها بوضوح:
تبييض السجون لا يتم بطلاء الزنازين، بل بالإفراج عن كل معتقل سياسي. ولا معنى لأي إصلاح دون مساءلة المسئول عن انتهاك الحريات، ولا كرامة لوطن يُدفن شبابه أحياءً!
أدعو كل حر داخل مصر وخارجها إلى رفع صوته، ألا يصمت، ألا يتواطأ مع القتل، ألا يبرر الظلم… فالسكوت عن الجريمة هو الجريمة. محمد هلال هو الاسم الأخير في القائمة، لكنه بالتأكيد لن يكون الأخير، إن بقينا صامتين.