مقالات وآراء

أسعد هيكل يكتب: لماذا لا تتسلم مصر إدارة غزة؟

كنت أتحدث تليفونيا مع صديق فلسطيني من عائلة متوسطة الحال تعيش في خان يونس، في ظل ما يعيشه الفلسطينيين حالياً هناك من مأساة، لأطمئن عليه، وأعرف منه طبيعة ما يحدث في غزة علي أرض الواقع، فحكي لي أنه وأولاده لا يعرفون طعم إغماض العين والإحساس بالأمان، وهم في تنقل مستمر من مكان إلي مكان، مؤكدا لي أنه متمسك بأرضه وكرامته، رافضاً أي دعوة للتهجير.

وكان في حديثه إليّ يقول ويكرر ويبحث معي عن أي حلول ترفع بصفة عاجلة عنهم في غزة ما يعيشونه الآن هناك من معاناة، ولأن صديقي الغزاوي يعلم أن كاتب هذا المقال قد تشرف بدراسة الاستراتيجية والأمن القومي بكلية الدفاع الوطني بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، فقد طرح عليّ هذا سؤال: لماذا لا تتسلم مصر إدارة غزة؟

مردفاً سؤاله بارسال بعض ما يتداول الاعلام العبري هناك من خطة مقترح تنفيذها علي عدة مراحل تتسلم بموجبها مصر ادارة غزة، لإنهاء الحرب هناك، انقلها انا هنا بدوري كما هي:

هدنة لمدة شهرين

المرحلة الأولى: تبادل الأسرى الإسرائيليين حسب العدد المتفق عليه مقابل أسرى حماس.

المرحلة الثانية: تدخل قوة أمنية مصرية إلى مدينة رفح وتفرض عليها الحماية الأمنية، وتقتصر المساعدات على المساعدات الإنسانية.

المرحلة الثالثة: إنتقال القادة العسكريين لحماس من مدينة غزة إلى رفح أثناء الهدنة.

المرحلة الرابعة: تضمن مصر أمن الجهاز العسكري لحماس في رفح وبقائه في قطاع غزة، وتلتزم إسرائيل بتجنب الإغتيالات لحماس في رفح.

● المرحلة التالية: “الهدوء المستدام”.

المرحلة الأولى: مع إنتهاء الهدنة، يتوسع الوجود الأمني المصري تلقائياً ليشمل قطاع غزة بأكمله، بالتوازي مع إنسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع.

المرحلة الثانية: تتخلى حماس عن السلطة في غزة، ويتم حل الأجهزة الأمنية والحكومية خلال شهر من بدء وقف إطلاق النار، وتتولى مصر إدارة الحكومة في القطاع لمدة عام.

المرحلة الثالثة: بعد إكتمال توسيع قوة الأمن المصرية، يتم نقل قطاع غزة إلى إدارة الأمن المصرية لفترة إنتقالية مدتها 5 سنوات.

المرحلة الرابعة: نقل السيطرة على المعابر إلى قوة دولية مصرية مشتركة.

المرحلة الخامسة: خلال عام وقف إطلاق النار، تقوم مصر بتمويل الحوار بين فصائل غزة وحركاتها السياسية، حتى تشكيل حكومة مدنية فلسطينية تتولى إدارة شؤون القطاع الحكومي خلال الفترة الانتقالية.

المرحلة السادسة: تلتزم مصر بإعادة بناء غزة وإعادة توطين سكانها، بالتعاون مع الممولين الإقليميين.

ثم انهي صديقي الفلسطيني حديثه معي بوصف تلك الخطة بأنها تمثل بالنسبة له ولاولاده وعائلته وكثير من الفلسطينيين “حلم وطوق انقاذ” يتمني علي السلطات المصرية قبولها والعمل علي تنفيذها في اقرب وقت.. والي هنا انتهي حديثي معه.

ونحن هنا نقول إن الحقيقة علي أرض الواقع التي قد لا يقبلها البعض ويفضل إنكارها باتت مؤلمة، وتقول إننا امام كارثة إنسانية وجرائم إبادة جماعية تتجاوز فداحتها خسارات كثيرة ماضية، فالآن باتت هناك مساحة تقدر بنحو 14 كيلو مترا خالية تماما من السكان، بعد أن دمرت إسرائيل مدينة رفح الفلسطينية تماما وأجبرت أهلها علي النزوح إلي المخيمات.

كما أن ضحايا الحرب في غزة منذ أكتوبر 2023 اقترب لنحو 60 ألف شهيد و 115 ألفا من المصابين معظمهم من الأطفال والنساء، ومما يدمي القلوب أن أكثر من ألف طفل فقدوا أطرافهم وأجزاء من أجسادهم،

كما استولت إسرائيل على مساحة تقدر بنحو 35% من أراضي غزة، سواء من تلك الأراضي الواقعة في الشمال أو الشريط الحدودي أو محوري نتساريم وفيلادلفيا، ناهيك عن حجم الدمار الهائل للبيوت والمخيمات التي سوتها إسرائيل بالأرض، ولم تبق فيها حجرا علي حجر، في جرائم يندى لها جبين الإنسانية، ويقف العالم تجاهها متفرجاً، وعاجزاً عن وقفها.

فإذا اتفقنا علي أن مواجهة الحقيقة أفضل من التواري منها، وإذا كانت المفاوضات السرية، التي يخجل من إعلانه االسياسيون تدور حول ما تطلبه إسرائيل مقابل وقف حربها القذرة هذه علي قطاع غزة، من خروج حماس، وتسليم أسلحتها علي تفاصيل أخري معقدة،

في حين يهدد الرئيس الأميركي ترامب بالاستيلاء على أراضي غزة وتهجير الفلسطينيين منها بالقوة، ويتحدث باستخفاف عن ريفيرا أمريكية يقيمها فوق أشلائهم ودمائهم، وفي ذات الوقت يطلق لإسرائيل العنان، في تجبرها وفتكها وآلاتها التدميرية دون وازع من ضمير، أو رادع أخلاقي.

فإنه والحال كذلك، بات من الملح علينا كمصريين وعرب إيجاد حل عاجل وفعال وسريع دون مزايدة على بعضنا البعض، لوقف هذه الجرائم التي ترتكب في حق أهلنا في فلسطين، الذين دفعوا ولا يزالوا يدفعون ثمناً جسيماً من دمائهم ودماء أطفالهم ونسائهم، من أجل حريتهم وكرامتهم وحقهم في العيش على أرضهم.

وإذا كان الأمن القومي المصري والعربي، يقتضي مساندة المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال، ولا جدال في ذلك، فالواقع يتطلب حفاظا على هذا الأمن القومي التدخل فورا والضغط علي إسرائيل بكل أوراق الضغط العربية والدولية، لفرض حل سريع بأي طريقة كانت، يوقف فورا نزيف الدم وتلك المذابح التي نتألم لها يوميا، للحفاظ على ماتبقى من الشعب الفلسطيني وأرضه.

ولقد كانت لمصر تجارب تاريخية سابقة في إدارة قطاع غزة، فإلي عهد قريب كانت غزة تحت حكم والي مصر محمد علي باشا، حين توسعت قي عهده حدود مصر حتي وصلت شمالا إلي تركيا، وجنوبا حتي الصومال، كما أدارت مصر القطاع لفترات بدأت في عام 1948 حتى أكتوبر 1956 ومرة أخرى من مارس 1957 حتى يونيو 1967، وعينت مصر إدارة لغزة لا يزال مقرها قائما حتي اليوم بالحي السابع في مدينة نصر بالقاهرة.

صحيح ان لدي البعض تخوفات أولها أن من سيتولى إدارة القطاع سيكون مخيرا بين أمرين، إما أن يكون حارسا لأمن الدولة الصهيونية ويمنع تماما أي شكل من أشكال المقاومة أو يتورط في حرب ضد هذا الكيان الغاصب، وثانيها أن قبول مصر ادارة غزة سيعتبر نوعا من الاستجابة لمطلب إسرائيلي، وفقا لخطة زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد التي حاول تسويقها في واشنطن، في مقابل مساعدة مصر في التخلص من ديونها.

لكي اري اننا امام لحظات تاريخيه فارقة، وظروف عصيبة، تتطلب تدخل مصر، لانقاذ ما يمكن انقاذه، فإن نزيف دماء هؤلاء الأطفال المساكين البؤساء الذين لا ذنب لهم، والذين نتألم ونصدم ونحزن مع كل الشعوب العربية وشعوب العالم الحر ونحن نري أجسادهم الهزيلة من الجوع والتشرد تتقطع وتسيل منها الدماء وتتقطع أشلاؤهم كل يوم بل كل ساعة وكل لحظة علي أرض فلسطين، تدعونا، وتدعو كل إنسان ذى إحساس وضمير في هذا العالم، أن ينادي ويفعل ما يستطيع لوقف هذه الحرب غير العادلة فوراً.

واري ان من مقتضيات الأمن القومي المصري والعربي، تتطلب ان تتولي مصر بخبراتها التاريخية والعلمية وكوادرها المدنية وهي متوافرة وجاهزة، إدارة قطاع غزة فوراً. علي أن يكون ذلك في إطار اتفاق مع الأطراف المعنية وبضمانات دولية، وشروط علي رأسها الانسحاب الكامل والفوري للاحتلال الإسرائيلي من كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعلى أن تتعاون حماس والسلطة الفلسطينية مع الإدارة المصرية في نقل السلطة، ولفترة زمنية مؤقتة، يعاد خلالها إعادة إعمار القطاع، وإدخال المساعدات الإنسانية ومداواة الجرحي، ثم تسلم الإدارة بعد مرور تلك الفترة مرة اخري إلي سلطة فلسطينية يقرر اختيارها الشعب الفلسطيني فيما بعد.

إن الكثير من الفرص التاريخيه لحل القضية الفلسطينيه قد ضاعت واحدة تلو الأخري منذ عام 1948 وحتي الآن، بينما المشاهد الدموية والجرائم التي ترتكبها إسرائيل تتكرر كل يوم في حق الشعب الفلسطيني الأبي الأعزل المتمسك بكرامته وبقائه على أرضه، والتي نراها ويراها العالم كله معنا، من قتل للأطفال والنساء والشيوخ، وهدم للبيوت والمخيمات، واستيلاء علي الأراضي، ومحاولات تهجير شعب من أرضه إجبارياً، وهو ما يدعونا جميعا شعوباً وحكاماً، ان نسعي ونعمل علي وضع أي حلول ولو مؤقتة، لإنقاذ ما تبقي من شعب غزة وأرضه، فوراً وبصفة عاجلة قبل فوات الاوان.

المصدر : موقع “المشهد” الإخباري

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى