
مع تشكيل الحكومة السورية الانتقالية الجديدة، يواجه النظام السياسي في سوريا تحديات ضخمة ومعقدة تتطلب استجابة سريعة وحلولًا شاملة. هذه التحديات لا تقتصر على الأبعاد السياسية والاقتصادية فحسب، بل تتداخل مع قضايا أمنية، اجتماعية، وإنسانية معقدة. من أجل بناء دولة سليمة ومستقرة، يجب على الحكومة الانتقالية التغلب على العديد من العقبات التي تحيط بها. في هذا المقال، نستعرض أبرز التحديات التي يجب أن تتعامل معها الحكومة الانتقالية، مع التركيز على التحديات الأمنية، العدالة الانتقالية، الدمج الاجتماعي، الخدمات والبنى التحتية، العقوبات، الاعتراف الدولي، التحديات الاقتصادية، وأخيرًا التحدي المتعلق بالتشاركية والتعددية في سوريا.
1. التحدي الأمني: ملاحقة الفلول والمليشيات الإيرانية والحدود مع لبنان وحزب الله
الواقع الأمني في سوريا بعد سنوات من الحرب يشير إلى أن هناك عدد من الجيوب الامنية التي لا تزال تشكل تهديدًا للسيادة السورية وأمن الدولة. علاوة على ذلك، لا يزال وجود حزب الله اللبناني في المناطق الحدودية في سوريا يمثل أحد الأبعاد الأمنية المعقدة التي يجب أن تتعامل معها الحكومة الانتقالية.
أحد أكبر التحديات الأمنية هو ملاحقة الفلول والمليشيات التي لا تزال تشكل تهديدًا على استقرار البلاد. فأكدت سياسة ” اذهبوا انتم الطلقاء ” عدم فعاليتها ، بعد محاولات للانقلاب العسكري في ٦ مارس ٢٠٢٥ الفائت في الساحل السوري و أدت إلى كوارث بعد ذلك بسبب حدوث انتهاكات كبيرة بما عرف بأحداث الساحل .
الفصائل المسلحة المتنوعة والمتعددة الولاءات قد تكون مصدرًا دائمًا للاضطرابات المحلية والدولية، خاصة في ظل تداخل المصالح الإقليمية والدولية في المنطقة. توحيد الفصائل العسكرية السورية تحت قيادة موحدة تعتبر خطوة أساسية في هذا السياق. يجب أن تشارك القوات المسلحة السورية بشكل كامل في عملية إعادة بناء الأمن، مع تبني استراتيجية واضحة لمواجهة الفصائل المسلحة التي تتبع أجندات خارجية أو تعمل على تقويض وحدة سوريا.
2. تحدي العدالة الانتقالية: لا سلام بدون عدالة ولا عدالة بدون سلام
العدالة الانتقالية هي أحد أبعاد العملية السياسية التي لا يمكن تجاهلها إذا ما أردنا أن نشهد تحولًا حقيقيًا نحو السلام المستدام في سوريا. بعد سنوات من الصراع الدموي، بات من الضروري أن تنخرط الحكومة الانتقالية في عملية تحقيق العدالة والإنصاف للأفراد الذين تعرضوا لانتهاكات حقوق الإنسان. إن تحقيق العدالة ليس فقط محاكمة الجناة، بل أيضًا اتخاذ تدابير لإعادة بناء الثقة بين مختلف فئات الشعب السوري.
لا يمكن الحديث عن سلام حقيقي في سوريا دون ضمان أن تتم معاقبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان. في الوقت ذاته، لا يمكن تحقيق العدالة دون خلق بيئة ملائمة للسلام الاجتماعي. يشمل ذلك تسوية الخلافات بين مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية داخل سوريا. يمكن تنفيذ هذه العدالة من خلال محاكم انتقالية، آليات التحقيق الشفاف، وتقديم تعويضات للضحايا.
أهمية العدالة الانتقالية في هذه المرحلة لا تقتصر على المساءلة القانونية، بل تتجاوزها إلى إصلاحات اجتماعية وثقافية تهدف إلى خلق مجتمع أكثر عدلاً وأكثر تسامحًا. يجب أن تتبنى الحكومة الانتقالية سياسة شاملة تهدف إلى إعادة التأهيل النفسي للمجتمعات المتأثرة بالحرب، وبخاصة النازحين واللاجئين.
3. تحدي الدمج الاجتماعي المبني على العدالة الاجتماعية
سوريا بعد سنوات من الحرب في حاجة ماسة إلى سياسات دمج اجتماعي تهدف إلى معالجة الانقسامات العميقة بين السوريين. ال عدالة الاجتماعية تعد حجر الزاوية في عملية الدمج هذه. ومع وجود عدد كبير من اللاجئين والنازحين الذين عادوا إلى سوريا مؤخرًا أو يتوقعون العودة في المستقبل القريب، يصبح من الضروري العمل على خلق توازن بين جميع فئات المجتمع، سواء كانوا من النازحين أو من الذين لم يغادروا البلاد.
الدمج الاجتماعي يتطلب أيضًا استعادة حقوق السوريين داخل الوظائف العامة، وتقديم فرص متساوية لجميع السوريين في سوق العمل. يجب أن تكون هذه السياسات عادلة وغير تمييزية، بحيث لا يتم تفضيل أي فئة اجتماعية أو عرقية على حساب الأخرى. هذا التحدي يتطلب أيضًا إصلاحات تعليمية تركز على التسامح وتعليم الأجيال الجديدة قيم العدالة والمساواة.
4. تحدي تلبية الخدمات والبنى التحتية المنهارة
أدى النزاع المستمر في سوريا إلى انهيار كامل في البنى التحتية في معظم أنحاء البلاد. المدارس، المستشفيات، شبكات الكهرباء والمياه، وجميع القطاعات الأساسية التي تلامس الحياة اليومية للمواطنين قد دمرت أو تضررت بشكل كبير. إعادة بناء البنى التحتية تتطلب استثمارات ضخمة، بالإضافة إلى إصلاحات شاملة في القطاعات الأساسية لضمان تقديم خدمات فعالة لجميع المواطنين.
يجب أن تكون عملية إعادة إعمار سوريا شاملة، لا تقتصر على المباني فقط، بل تشمل أيضًا بناء المؤسسات التعليمية والصحية والاقتصادية. ويجب أن تتعاون الحكومة مع المجتمع الدولي لضمان الحصول على الدعم الفني والمالي اللازم. في هذا السياق، يجب أن تضع الحكومة خطة واضحة تركز على المناطق الأكثر تضررًا وتعمل على إعمارها أولاً.
5. تحدي العقوبات المفروضة على سوريا
تعد العقوبات الدولية أحد التحديات الكبيرة التي تواجه الحكومة السورية الانتقالية. إذ تواصل العقوبات التي فرضتها الدول الغربية مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فرض قيود اقتصادية صارمة على سوريا. هذه العقوبات تؤثر بشكل مباشر على قدرة الحكومة على إعادة بناء الاقتصاد، فضلاً عن تأثيرها على المواطنين العاديين الذين يعانون من الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
في هذا السياق، الحكومة السورية الانتقالية بحاجة إلى سياسة دبلوماسية مرنة للتعامل مع هذه العقوبات، مع التركيز على إيجاد طرق للتخفيف من تأثيرها. يجب أن تكون هناك استراتيجيات اقتصادية مرنة تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنتاج المحلي وتعزيز دور القطاع الخاص.
6. تحدي الاعتراف الدولي بسوريا
الاعتراف الدولي هو قضية حاسمة في عملية إعادة بناء الدولة السورية. بعد سنوات من العزلة السياسية، تواجه سوريا صعوبة في استعادة العلاقات الدبلوماسية مع العديد من الدول. في هذه المرحلة الحرجة، يجب على الحكومة الانتقالية السعي إلى إعادة بناء هذه العلاقات، والعمل على تحسين صورة سوريا في المنظمات الدولية. بناء علاقات مع الدول الكبرى ومع دول الجوار سيعزز بشكل كبير قدرة الحكومة الانتقالية على تحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية.
7. التحدي الاقتصادي
الاقتصاد السوري يعاني من أزمة خانقة نتيجة لعوامل متعددة، بما في ذلك الحرب، العقوبات، وانخفاض إنتاج النفط، وتدهور القطاع الزراعي. بالإضافة إلى ذلك، تواجه الحكومة تحديًا في إعادة تشغيل المصانع والمعامل المتضررة، وتنمية القطاع الخاص في إطار بيئة اقتصادية مستقرة.
ستحتاج الحكومة الانتقالية إلى إعادة هيكلة الاقتصاد من خلال استراتيجيات تهدف إلى تحقيق النمو المستدام، زيادة الاستثمار الأجنبي، تحفيز القطاع الصناعي، و تحسين الشفافية في إدارة الموارد.
8. تحدي إعادة الإعمار
إعادة إعمار سوريا تتطلب جهودًا ضخمة لتغيير الواقع المادي والاقتصادي للبلاد. من إعادة بناء المنازل، البنى التحتية، إلى إعادة إحياء المدن المدمرة، تحتاج سوريا إلى استثمارات ضخمة تتجاوز التوقعات الحالية. هذا يتطلب إدارة فعالة و شفافية، حيث يجب أن تُخصص الموارد لإعادة بناء مناطق بعينها، مع التركيز على البنية التحتية الأساسية مثل الماء والكهرباء، والقطاعات الاقتصادية مثل الزراعة والصناعة.
9. تحدي توحيد سوريا: الشمال الشرقي والجنوب
تتمثل واحدة من أكبر التحديات التي تواجه الحكومة الانتقالية في وحدة سوريا بين الشمال الشرقي و الجنوب. اليوم، توجد عدة مناطق في سوريا تحت سيطرة القوات الكردية، بينما تسيطر مجموعات مسلحة على مناطق أخرى.
لذلك، توحيد سوريا بما فيها المنطقة الشمالية الشرقية و الجنوبية يعتبر من الأولويات الحاسمة في هذه المرحلة الانتقالية. هذا يتطلب العمل على حلول سياسية بين جميع المكونات المختلفة، وتعزيز سياسة اللامركزية التي تضمن حقوق الجميع.
10. تحدي نبذ الطائفية والعنصرية ومكافحة خطاب الكراهية والعنف
بعد سنوات من الحرب والانقسام، يعاني الشعب السوري من انتشار الطائفية والعنصرية، حيث عاشت مجتمعات سورية عديدة تحت تأثير خطابات الكراهية والعنف. يشكل نبذ الطائفية والعنصرية التحدي الأكبر في طريق تحقيق المصالحة الوطنية.
يجب على الحكومة الانتقالية أن تتبنى سياسات شاملة لتعزيز التسامح والقبول بالآخر، مع مكافحة خطاب الكراهية، وتحقيق مساواة كاملة بين جميع السوريين. تحقيق هذه الأهداف يتطلب تعزيز التربية الوطنية التي تدعم قيم التعددية و القبول بالآخر.
11. تحدي العدوان الإسرائيلي المتكرر على سوريا
يعد العدوان الإسرائيلي المتكرر على الأراضي السورية أحد التحديات الأمنية الكبرى التي تواجه الحكومة السورية الانتقالية. فقد استهدفت إسرائيل مرارًا مواقع سورية، بما في ذلك المنشآت العسكرية والبنى التحتية، في محاولة لإضعاف قدرة الدولة السورية على الدفاع عن سيادتها. هذا الهجوم المستمر يعكس التهديدات المستمرة التي تواجهها سوريا من قبل قوى إقليمية غير صديقة. الحكومة السورية الانتقالية، في هذا السياق، تواجه ضرورة تعزيز القدرة الدفاعية للبلاد، سواء على الصعيد العسكري أو من خلال التكتلات الإقليمية والدولية التي يمكن أن تدعم أمنها. في الوقت نفسه، يجب أن تعمل الحكومة على تقوية الدور الدبلوماسي لإيجاد آليات حوار تهدف إلى الحد من التصعيد العسكري وتوفير حماية للحدود السورية، خصوصًا في ظل التوترات الإقليمية المتزايدة
12. تحدي التجاذبات العربية والإقليمية والدولية لبسط النفوذ على سوريا
تواجه الحكومة السورية الانتقالية تحديًا كبيرًا في ظل التجاذبات السياسية من القوى الإقليمية والدولية التي تسعى إلى بسط نفوذها على سوريا. بعد سنوات من العزلة، تجد سوريا نفسها بين مصالح متناقضة، حيث تسعى بعض القوى الإقليمية مثل تركيا و إيران إلى تعزيز نفوذها في سوريا، في حين تسعى دول أخرى، خاصة الدول الغربية، إلى تشكيل موقف سياسي يعيد ترتيب النفوذ في المنطقة. في الوقت نفسه، تسعى بعض الدول العربية إلى تطبيع العلاقات مع سوريا لتوسيع نفوذها الإقليمي. هذه التجاذبات تتطلب من الحكومة الانتقالية استراتيجية دبلوماسية مرنة توازن بين علاقاتها مع القوى الكبرى، وتحافظ في ذات الوقت على سيادة سوريا واستقلالها
واخيراً إن التحديات التي تواجه الحكومة السورية الانتقالية تتطلب استجابة شاملة وفعالة على المستوى المحلي والدولي. من القضايا الأمنية المعقدة، إلى العدالة الانتقالية، والدمج الاجتماعي، مرورًا بإعادة الإعمار، والإصلاحات الاقتصادية، وصولًا إلى التشاركية والتعددية، إن كل هذه التحديات تتطلب إرادة سياسية قوية و شجاعة في مواجهة المشكلات التي تعيق التقدم. يجب على الحكومة الانتقالية أن تركز على بناء الثقة بين السوريين و إعادة بناء مؤسسات الدولة بما يضمن مستقبلاً أكثر استقرارًا وازدهارًا.