مقالات وآراء

إسلام الغمري يكتب: متى تستعيد مصر دورها لإنقاذ غزة؟

في خضم التحولات الاستراتيجية المتسارعة التي تعصف بالمنطقة، يظل السؤال الأكثر إلحاحًا: متى تستعيد مصر دورها الحقيقي في حماية غزة من العدوان والتدمير والتهجير؟

إن مصر، بموقعها وثقلها التاريخي والجيوسياسي، ليست مجرد دولة عابرة في المشهد الإقليمي، بل هي محور استراتيجي قادر – إن أراد – على فرض معادلات جديدة في الصراع، وكبح جماح الكيان الصهيوني الذي يمضي بلا هوادة في تنفيذ مخططاته.

الدكتور أسامة الأشقر، في تحليله العميق، يشير إلى أن مصر تمتلك أوراق ضغط سياسية حاسمة، لكنها تظل مقيدة بأدوار وساطة شكلية لا تتجاوز السقف المرسوم لها.

هذه الأدوار، التي وصفها الأشقر بأنها أشبه بـ”السكرتارية السياسية”، لا تعكس حقيقة الدور الذي يمكن أن تقوم به مصر، ولا تتناسب مع مكانتها الإقليمية والتاريخية.

بين الوساطة الشكلية والغياب عن الفعل الحقيقي

منذ عقود، يُنظر إلى مصر على أنها الضامن الرئيسي للقضية الفلسطينية، لكن ما نراه اليوم هو اختزال لهذا الدور في مجرد تسهيلات إنسانية وتصريحات دبلوماسية لا تغير من الواقع شيئًا.

بينما يتواصل العدوان على غزة بلا توقف، ويشتد الحصار حتى أصبح الموت جوعًا واقعًا، تبرز تساؤلات مشروعة: لماذا لا تستخدم مصر أدواتها الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية بشكل أكثر فاعلية؟ هل يعقل أن تظل مصر، التي خاضت الحروب دفاعًا عن فلسطين، عاجزة عن اتخاذ موقف حاسم يوقف الكارثة المستمرة؟

مصر وأوراق الضغط الممكنة

مصر، بفضل موقعها الاستراتيجي، تمتلك أوراق ضغط عديدة يمكنها استخدامها دون الحاجة إلى خوض مغامرات عسكرية:
وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال وفرض قيود على التعاملات الدبلوماسية.
• تحريك الملف في المحافل الدولية بشكل أكثر صرامة، وفضح مخططات التهجير على المستوى العالمي.
• استخدام علاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا لانتزاع مواقف أكثر وضوحًا تجاه جرائم الاحتلال.
• التلويح بإجراءات اقتصادية صارمة ضد المصالح الإسرائيلية، بما في ذلك وقف أي تسهيلات اقتصادية أو تجارية يمكن أن يستفيد منها الكيان.

لكن ما نراه اليوم هو تردد سياسي يطرح تساؤلات حول مدى استقلالية القرار المصري، وهل هو نابع من رؤية وطنية خالصة، أم أن هناك توافقات غير معلنة مع الاحتلال والإدارة الأمريكية؟

التهجير.. الخطر الداهم الذي يهدد المنطقة بأكملها

لم يعد الحديث عن مخططات تهجير الفلسطينيين من غزة مجرد تكهنات، بل أصبح واقعًا يجري تنفيذه على الأرض.

الكيان الصهيوني يسعى لفرض نموذج نكبة جديدة، عبر القتل والتجويع والقصف المتواصل، لإجبار أهل غزة على الرحيل.

السؤال هنا: هل تقبل مصر أن تصبح بوابة لهذا المخطط؟ هل يمكن أن نرى سيناء تتحول إلى معسكرات لاجئين فلسطينيين تحت لافتة “إغاثة إنسانية”، بينما يتم تسهيل عمليات التوطين والتهجير الدولي؟

التاريخ يُسجل، ولن يرحم من يقف متفرجًا بينما تُرتكب أكبر جريمة تهجير قسري في العصر الحديث. الصمت في هذه المرحلة ليس مجرد تقاعس، بل تواطؤ غير مباشر مع الجريمة.

استعادة مصر لدورها.. ضرورة استراتيجية وليست خيارًا

إن تحرك مصر ليس مجرد التزام أخلاقي أو قومي، بل هو ضرورة استراتيجية تحتمها مصالحها الأمنية والسياسية.

فغزة ليست مجرد بقعة جغرافية مجاورة، بل هي خط الدفاع الأول عن الأمن القومي المصري، وأي تغير في وضعها سيترك آثارًا مباشرة على استقرار مصر.

إنقاذ غزة لا يتطلب قرارات استعراضية أو تحركات غير محسوبة، بل يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية، تُفعِّل الأدوات المتاحة، وتعيد لمصر دورها الذي لا يمكن أن يكون هامشيًا في هذه اللحظة التاريخية. مصر التي قادت حروب التحرير لا يمكن أن تختزل في بيانات إدانة وتصريحات دبلوماسية باردة.

الخلاصة: متى تتحرك مصر؟

مصر ليست بحاجة إلى مزيد من الوقت لتقييم المشهد، فكل شيء واضح. إما أن تتحرك الآن، وتضع حدًا لهذا النزيف، أو أن تدفع المنطقة بأكملها إلى سيناريوهات كارثية.

غزة تنتظر، والتاريخ يسجل، والمستقبل لن يغفر لمن وقف متفرجًا في لحظة تستوجب الفعل. متى تتحرك مصر؟ السؤال لم يعد يحتمل التأجيل.. فالوقت ينفد.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى