مصر

د. عمرو هاشم ربيع يكتب: هل استعدت الأحزاب السياسية المصرية لانتخابات مجلس النواب؟ 

الأحزاب السياسية المصرية تقف اليوم على أهبة الاستعداد لخوض انتخابات مجلس النواب.

اجتماعات وغرف مغلقة واستعدادات ومحاولات للتحالف بين هذا وذاك، وضرب الودع وأخماس في أسداس لمعرفة بماذا ستفاجأ الحكومة الأحزاب والناس أو إن شئت القول بما سيفاجأ الأمن الجماعات والأفراد وينزل بمشروع قانون جديد لمجلس النواب بغرض تعديل قانون مجلس النواب، والذي سيتضمن دون شك النظام الانتخابي الذي ستجرى على ضوءه الانتخابات، وكذلك زيادة عدد أعضاء مجلس النواب، وشكل الإشراف على الانتخابات. 

هياكل مصطنعة 

والأحزاب في مصر لا تعدو أن يكون غالبيتها هياكل مصطنعة، فهي كيانات ورقية ناتجة عن رغبة السلطة بوجود ديكور مزخرف يُظهر النظام السياسي بكونه نظام تعددي، رغم علمها وعلم الجميع أن تلك اللعبة لم تعد تنطلي على الناس في الداخل ولا على اللاعبين أو الفاعلين خارج البلاد.

هذا الديكور المزخرف الكائن به مجرد أشخاص بعضهم من ذوى النوايا الحسنة الذين يسعون أن تكون بلدهم في مصاف البلدان المتمدينة، فأرادوا أن يخوضوا في لعبة السياسة، واتخذوا الأمور بالكثير من الجدية.

لكن الكثير منهم أعمتهم الوجاهة الاجتماعية، والرغبة في الظهور وشغل مقعد ضمن مقاعد الإلهاء القائم حاليا، والذي من خلاله أيضا تظهر المنافسات المصطنعة.  

منذ بدء التعددية الحزبية الثالثة في مصر في 11نوفمبر1976، ونحن لا زلنا نعيش فيما أسماه الرئيس الراحل أنور السادات بالتجربة الحزبية، فهي لا تتسم بالجدية لا من قبل السلطة ولا من قبل غالبية الفاعلين الحزبيين، ما يجعل كل ما يجرى مجرد حرث في الماء لا أكثر. 

أحزاب وسط نظام انتخابي شائه وفريد 

لاتنظر السلطة أصلا للأحزاب كطرف لاعب في المشهد السياسي، الكاره للأحزاب وللمثقفين ولحرية الرأي والتعبير، وهي تبدي اهتماما محدودا بمخرجات الحوار الوطني، الذي جاء بنظامين انتخابيين الأول: الأغلبي أي 50%+1 سواء عبر الأسلوب الفردي أو أسلوب القائمة المطلقة أو ما يطلق عليه علميا الكتلة الحزبية، حيث تكتسح القائمة الحاصلة على 51% المقاعد نسبة 100% من المقاعد، وذلك في تزوير واضح وفج ولا لبس فيه لإرادة الناخبين!!.

والثاني: من خلال النظام النسبي عبر أسلوب العتبة الانتخابية.

لذلك فإن الأرجح أن يكون للقوائم المطلقة الغلبة في طريقة اختيار نواب البرلمان، أو على الأرجح المناصفة مع أي أسلوب أخر.

من هنا سيكون حتما للقائمة المطلقة التي لا تنفذها سوى أربع دول في العالم فقط الأحتمال الأكبر في التنفيذ على الأرض، وذلك بحجة ودعوى أن الدستور أجبر الشارع القانون على ذلك من خلال الكوتات الانتخابية الست (العمال والفلاحين/ المرأة/ المسيحيون/ المصريون في الخارج/ ذوو الإعاقة/الشباب).

وهي حجة مردود عليها ليس فقط بأن خبراء الانتخاب سطروا مواد قانون تنفذ الكوتات أنفة الذكر عبر النظام النسبي، ولكن أيضا لكون انتخابات مجلس الشيوخ تتم بالقوائم المطلقة رغم أن الدستور لا يجبر عضوية هذا المجلس على تلك الكوتات، ما يجعل الغرض من إعمال القوائم المطلقة في مجلس النواب هو لتحقيق تبعية كاملة للبرلمان للسلطة التنفيذية.      

من سيقود المشهد الحزبي في الانتخابات القادمة 

في السنوات التالية لأحداث 30 يونيو2013، حدث انتخابين برلمانيين الأول عام2015 والثاني عام2020، وكان مستقبل وطن في صدارة المشهد كحزب صنعته السلطة كواجه دون أن تضع في يده أي سلطة معتبرة تخص تشكيل الحكومة، مرة لكونه مصطنع وضعيف، ومرة ثانية لكونه خاوى من أن يعين كم معتبر من القيادات والنخب التكنوقراط الكفؤة، ما جعل السلطة تكتفي بكونه ذو أغلبية برلمانية قادرة على أن تحقق كل ما يطلب منها من أمور تحت قبة البرلمان، الذي أصبح هو الأخر -وبالتبعية- أداة تمريرية لا تقوى إلا على تنفيذ ما يطلب منها.

كما تدعم السلطة مستقبل وطن في الشارع بإظهار تواجده من خلال ما يسمح له بتوزيع سلع ومواد غذائية طوال العام بمقابل مادي، وإبان الاستعداد للانتخابات بحفز الناس بالكراتين التموينية المجانية بغرض الذهاب لصناديق الاقتراع.     

يبدو أن حزب الجبهة الوطنية أو حزب القبائل العربية أو حزب إبراهيم العرجاني، وكلها مسميات ومترادفات مقبولة من الناحية السياسية لا القانونية، هو من سيقود المشهد الانتخابي حزبيا، فهو من سيوكل له إعداد القائمة المطلقة الموعودة، وهو من سينفذ النسب التي ستُحدد له لتمثيل أكبر كم من الأحزاب السياسية، حتى يظهر المشهد كما لو كان الأمر يتم بلا مغالبة أو احتكار من قبل الحزب الوليد، رغم كون هذا الحزب هو من استقبل عضويات من الأحزاب الأخرى وعلى رأسها مستقبل وطن، وذلك في حالة شغف واضح وطموح للنهل من الكعكة الجديدة المفتوحة على رضاء السلطة على كل من يشارك ويتحمس للركض بغية التشبث بثياب السلطة.  

الائتلافات الحزبية الأخرى 

مقابل ذلك -وحتى يكون شكل المنافسة تاما ومحبوكا- سيسمح لأحزاب أخرى بخوض الانتخابات بقوائم مطلقة منافسة، بعض المسموح لهم بذلك سيكونون من حسنى اللنية، وبعضهم ستكون مشاركتهم لإبراز الشكل والمظهر الديمقراطي، الخاوي بداية من أي نزاهة بسبب القائمة المطلقة التي تعد في التحليل الأخير تعيين مقنع أو تزكية. 

قد تشارك تلك الأحزاب في قوائم لدوائر دون أخرى، وهي على أي حال دوائر أو قطاعات تمرح فيها الطائرة، لكونها بعيدة ومترامية الأطراف كدائرة أو قطاع شمال ووسط وجنوب الصعيد والذي يبدأ من الجيزة وينتهي في أسوان!! 

على أي حال، فقد برزت قبل شهر رمضان أحاديث كثيرة عن تحالف بين أحزاب العدل والمصري الديمقراطي الأجتماعي والبناء والتنمية مع حزب مستقبل وطن، وأن هناك على ما يبدو توافق أو عدم معارضة من الحركة المدنية لخوض تلك التجربة. 

الأحزاب في الدوائر الفردية 

أما الدوائر الفردية فهي لن يكون للأحزاب أي نصيب فيها، لأن الأحزاب لو شاركت في الترشيح فيها، فسيكون الناخب معتمدا على العشيرة والقبيلة والعائلة ولا علاقة لانتماؤه الحزبي إن وجد بالفوز في الانتخابات.

هنا عادة ما يتبرأ المرشح الفائز من الحزب الذي ينتمي إليه، لكونه لا فضل عليه في الفوز، اللهم إلا في حالات نادرة، وهي إذا كان المرشح الفائز منتمي للتيار السلفي (حزب النور)، أو إذا كان منتميا للتيار المدني اليساري مثل 25/30.  

الأحزاب تزكي زيادة عدد عضوية البرلمان 

وفي كل الأحوال فإن الأحزاب جميعها تزكي زيادة عضوية مجلس النواب، فعدد أعضاء المجلس اليوم 596 نائبا، منهم 28 نائبا معينا تعيينا حقيقيا، منهم 568 منتخبا، نصفهم بالقوائم المطلقة أي تعيينا مقنعا. في انتخابات 2025 سيزيد عدد أعضاء مجلس النواب، وربما تكون التوصية التى اتخذها الحوار الوطني في مخرجاته بالزيادة هي التي ستنفذ، لكونها تفتح الباب لإرضاء السلطة للوجهاء والقيادات المحلية للمزيد من عضوية البرلمان، خاصة مع بقاء تجميد المجالس المحلية.

زيادة عضوية البرلمان لا تعني أي فاعلية له، بل على العكس تعني زيادة نواب أبو الهول، ونواب الصمت باستثناء حلف يمين العضوية.

ولا شك أن زيادة العضوية في البلدان النامية تتناسب تناسبا طرديا مع هشاشة البرلمان، لكون الزيادة تعنى عدم منح الفرص في الحديث.

صحيح أن مجلس العموم البريطاني والبوندستاج في ألمانيا من المجالس ذات العضويات الكبيرة، لكن هذه المجالس لها ميراث وتراث ضخم من المقرطة والتجارب البرلمانية الرائدة لكونها جاءت عبر انتخابات نزيهة ونظم انتخابية تتسم بالموضوعية، ناهيك عن فاعلية تلك البرلمانات في أداء وظائفها التشريعية والرقابية مقارنة بالنموذج المصري المقيد. 

الأحزاب وإدارة الانتخابات 

ترغب الأحزاب المصرية في أن تقوم إدارة الانتخابات على بقاء نظام قاضي على كل صندوق، رغم أن هذا النظام لم يعد قائما إلا في بلدين في العالم هما مصر والكويت.

أية وتبرير ذلك من قبل المدافعين عن هذا النظام هو أن القضاة وحدهم هم الأكثر نزاهة وباقي الكيانات مُزورة!!

المنطق غريب بدون شك، ويزداد غرابة من أن النظم الانتخابية التي عرفتها مصر في الإشراف القضائي الكامل على العملية الانتخابية، لم تمنع تزوير الانتخابات، ولم ترفض الهيئة القضائية سواء اللجنة العليا للانتخابات أو الهيئة الوطنية للانتخابات اليوم أية إجراءات انتخابية غير نزيهة، بل على العكس جرت الانتخابات وقد انتهكت فيها حقوق كثيرة بشكل ممنهج، وهو ما رصدته منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية، خلال مراحل الترشيح والدعاية والرقابة على الانتخابات (المسماة بالمتابعة في القانون المصري) والتصويت الجماعي والرشاوى الانتخابية والفرز دون أى تحرك الهيئة القضائية المشرفة على الانتخابات -بغض النظر عن مسمى تلك الهيئة- ساكنا. 

الخلاصة 

ما يجرى من استعدادات للانتخابات البرلمانية القادمة ليس إلا شكليات يتم بعضها للطمع في المناصب النيابية، وذلك بغرض الوجاهة الاجتماعية وتسيير بعض الأعمال الخاصة، خاصة مع حالات تضارب المصالح التي لا تنتهي بعدم تفرغ أعضاء البرلمان، وذلك كله يتم مقابل خلق برلمان طيع يستجيب لكل ما تطلبه منه السلطة التنفيذية.

وبطبيعة الحال، هذا الأمر لا ينفي وجود بعض المنتخبين في النظام غير المنتمي للقوائم المطلقة يتسمون بالجدية والرغبة في تطوير الأداء.  

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى