
أدركت متأخرًا أن عيد الفطر لم يعد كما كان. بين طقوس الطفولة البريئة التي غابت، والأحبة الذين فارقوا الحياة، لا يمكنني اليوم إلا أن أتساءل: هل العيد مجرد احتفال عابر، أم أنه فرصة لإعادة تأكيد فشلنا في الحفاظ على ما كان يجمعنا؟ فقدنا القدرة على استشعار تلك البهجة التي كانت تملأ الشوارع، وصارت المعايدات الرقمية تحل محل التقاء الأجساد.
التكنولوجيا جعلتنا ننسى قيمة اليد التي تمتد بالسلام الحقيقي، اليد التي كانت تحمل العيدية في جيبها، والتي أصبحت الآن مجرد إشارة رقمية في شاشة باردة.
تجرأت على مواجهة هذه الحقيقة المرة عندما وجدت نفسي وحيدًا في أول يوم عيد، بينما تتساقط رسائل “كل عام وأنتم بخير” بلا معنى. اعتدنا أن نعيش فرحة العيد كأنها حق مكتسب، كأنها ستبقى خالدة في حياتنا دون مجهود.
ولكن الحقيقة التي لا مفر منها أن العيد ليس مجرد يوم للاحتفال، بل هو مرآة تعكس ما فقدناه في حياتنا الاجتماعية. تركنا العادات القديمة تندثر ببطء، والنتيجة أن عيد الفطر بات مظلّة خاوية من الروح.
تساءلت: متى فقدنا قدرتنا على الاستمتاع بتلك اللحظات البسيطة التي كانت تملأ حياتنا؟ جلسات صنع الكحك التي كانت تجمع العائلة صارت الآن مجرد فكرة عابرة، ربما نتذكرها بحنين، ولكن دون أن نعيشها مجددًا.
حتى الملابس الجديدة التي كانت تسكن بجوارنا ليلة العيد، نتحسسها بشغف، فقدت بريقها أمام بضاعة المصانع والتخفيضات الموسمية. لا شيء يبدو كما كان.
أشعر بالذنب. نعم، نحن الجيل الذي أسهم في تخريب تقاليدنا. لم نحافظ على تلك اللحظات التي كانت تجمعنا حول طاولة واحدة، نرسم على وجوهنا ابتسامات صادقة.
ما الذي حدث لنا؟ كيف سمحنا لأنفسنا بأن ننسى أن العيد هو قبل كل شيء رابط إنساني؟ أصبحنا نعتقد أن الفرحة تأتي مع الأشياء المادية، مع الهدايا الثمينة أو الكماليات الزائفة، بينما غابت المعاني الحقيقية خلف الستار.
صدمتني هذه الحقيقة عندما وجدت أن العديد من الأطفال اليوم لا يعرفون معنى الانتظار، الانتظار لتلك اللحظة التي يرتدون فيها ملابسهم الجديدة، أو ينتظرون الحلوى التي أعدتها أيدي الأمهات.
أصبح كل شيء متاحًا على مدار العام، فلم تعد هناك قيمة خاصة لعيد الفطر. الكل مشغول، الكل يتسابق للحاق بالتطورات المادية، فيما فقدنا الرابط الروحي الذي كان يجعل العيد عيدًا حقيقيًا.
تأملت تلك اللحظات التي كانت تضيء طفولتي. صلاة العيد، تلك اللحظة التي كنا نتجه فيها جميعًا إلى المسجد، كانت تحمل في طياتها إحساسًا نادرًا بالتوحد.
كنا نصلي، نعم، ولكن الأهم أننا كنا نلتقي، نشارك اللحظة. اليوم، ومع انتشار الأنشطة الفردية والانشغال بالتقاط الصور ونشرها على وسائل التواصل، ضاعت تلك الروح. صار العيد مناسَبة لتوثيق اللحظة بدلًا من عيشها.
استفزني هذا الإدراك العميق عندما وجدت أن قوافل المعايدين التي كانت تمر بالشوارع وتطرق الأبواب قد تلاشت. لم تعد تلك الجلسات العائلية قائمة، ولم تعد تلك الضحكات الجماعية تملأ البيوت. لماذا؟
لأننا استبدلنا تلك اللحظات بنظام اجتماعي جديد يعتمد على الاتصال الافتراضي والانغلاق الفردي. نسينا كيف كان العيد وسيلة لتجديد الروابط، لفتح قلوبنا لبعضنا البعض.
أدركت أن العيد لم يعد عيدًا حين فقدنا أحبتنا. تلك الوجوه التي كانت تملأ حياتنا بالحب والضحك، غابت. وتلك الغيابات لم تؤثر فقط على حضورهم الجسدي، بل على معناهم الروحي في حياتنا.
أصبح العيد فرصة لاستذكار ما فقدناه، لا للاحتفال بما لدينا. صار الحنين هو العيد الحقيقي، وما نحتفل به الآن هو مجرد شبح من الماضي.
شعرت بالغربة داخل عيدي الخاص. كيف يمكن لي أن أعيش هذه المناسبة دون تلك الطقوس التي كانت تجعل منها يومًا مميزًا؟ حتى الحلوى التي كنا نصنعها في بيوتنا لم تعد لها نفس الطعم، فقد حلت مكانها الحلويات الجاهزة التي تملأ المحلات، خالية من الحب والروح. تساءلت: هل هذا ما أردناه؟ أن يتحول عيد الفطر إلى مناسبة مادية تفتقد لمعناها الأصلي؟
استنتجت أن العيد اليوم ليس سوى انعكاس لعجزنا كمجتمع عن الحفاظ على الروابط الإنسانية التي كانت تشكل جوهره.
اعتقدنا أن العيد سيتطور معنا، ولكن ما حدث هو العكس؛ نحن الذين تغيرنا، بينما بقي العيد مجرد ذكرى لما كان يجمعنا.