تصريحات وزير الصحة تفجر جدلًا حول حقوق المرضى وأزمة الرعاية الصحية بالمنيا

خلال جولة تفقدية قام بها الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان، بمحافظة المنيا، تصاعدت موجة من الجدل عقب تصريحاته المثيرة التي طالب فيها أحد مرضى الغسيل الكلوي بتوجيه الشكر للدولة بدلًا من الشكوى.
هذه التصريحات جاءت كرد على شكاوى المرضى حول طول فترات الانتظار وسوء المعاملة داخل مستشفى العدوة، مما أثار ردود فعل واسعة بين المواطنين والحقوقيين والبرلمانيين.


تصريح الوزير يُفجر موجة استياء واسعة بين المرضى والمختصين
أكد المحامي بالنقض، جمال الدين خطاب، أن تصريح الوزير الذي دعا فيه المرضى لتقديم الشكر بدلًا من الشكوى يعكس تجاهلًا لحقوق المرضى التي نص عليها الدستور المصري.
وأوضح خطاب أن العلاج حق دستوري لا يحق للدولة أن تطالب المرضى بالشكر من أجله، مؤكدًا أن توفير الرعاية الصحية هو واجب على الدولة تجاه مواطنيها وليس تفضلًا.
أشار أيضًا إلى أن الامتناع عن توفير الرعاية اللازمة، مثل وسائل النقل والوجبات الغذائية لمرضى الفشل الكلوي، يمثل انتهاكًا لحقوقهم الدستورية.
ردود فعل المواطنين: بين خيبة الأمل والغضب
أوضح المواطن “أ. ع.”، أحد مرضى الفشل الكلوي في مستشفى العدوة، أن التصريحات التي صدرت عن الوزير أصابته بخيبة أمل كبيرة.
“نحن نعاني بشكل يومي من طول فترات الانتظار وسوء المعاملة، وليس من العدل أن نُطلب منا شكر الدولة في حين أن أبسط حقوقنا لم تُلبَّ”،
يقول المريض، مشيرًا إلى أن الخدمات المقدمة لا ترقى لمستوى التوقعات. وأضاف: “لم نر أي تحسينات حقيقية، وكل ما نريده هو الحصول على علاجنا بكرامة”.
المختصون الصحيون يطالبون بتغيير السياسات
من جانبه، أشار الدكتور محمود حسنين، أخصائي الكلى في إحدي المستشفيات الحكومية، إلى أن الرعاية الصحية المقدمة لمرضى الفشل الكلوي في المستشفيات الحكومية تعاني من نقص كبير في الكوادر الطبية والتمريضية.
“الوزير يجب أن يكون أكثر تفهمًا لاحتياجات المرضى بدلاً من توجيه اللوم لهم”، يقول الدكتور حسنين. وأكد أن النقص في الأطباء والممرضين هو سبب رئيسي لتفاقم معاناة المرضى.
كما شدد على أن تحسين الرعاية الصحية لا يأتي فقط ببناء منشآت جديدة، بل بتوفير العدد الكافي من العاملين والتدريب اللازم لهم.
الموظفون الصحيون: “نواجه ضغوطًا هائلة”
من جهته، أكد الممرض محمد عبدالرحمن، الذي يعمل في إحدي المستشفيات الحكومية، أن طاقم التمريض يواجه ضغوطًا هائلة بسبب نقص الأعداد وكثرة المرضى.
وأشار إلى أن الانتقادات التي وُجهت لهم غير عادلة، موضحًا أن الطاقم الحالي يبذل قصارى جهده لتقديم الرعاية، لكنه ببساطة لا يستطيع تلبية احتياجات جميع المرضى في ظل هذه الظروف. وأكد أن الوزارة بحاجة إلى إعادة النظر في توزيع العاملين وتوفير مزيد من الموارد.
البرلمانيون يطالبون بمحاسبة الوزير وإصلاحات فورية
أشار الناشط الحقوقي علاء الدين منصور، إلى أن تصريحات الوزير كانت “غير مهنية وغير مناسبة” في ظل الظروف التي يعاني منها مرضى الفشل الكلوي.
وأوضح منصور أن البرلمان سيطالب بمحاسبة الوزير على هذه التصريحات، كما سيعمل على فتح تحقيق شامل في أوضاع المستشفيات الحكومية بمحافظة المنيا.
وأكد أن البرلمان كان قد أقر قانون المسؤولية الطبية مؤخرًا لضمان حقوق المرضى في معرفة تفاصيل الإجراءات الطبية التي تُتخذ بحقهم.
شهادات من داخل المستشفى: الوضع أسوأ مما يظهر في الإعلام
أشار المواطن “ا. س.”، وهو مريض آخر في مستشفى العدوة، إلى أن الوضع داخل المستشفى “أسوأ مما يظهر في وسائل الإعلام”. وأضاف: “الوزير زارنا، لكن الحقيقة أنه بمجرد مغادرته عاد كل شيء إلى ما كان عليه”.
وأكد المريض أن عدد الممرضين والأطباء قليل للغاية، وأن المرضى غالبًا ما يضطرون إلى الانتظار لساعات طويلة قبل الحصول على الرعاية اللازمة.
كما أشار إلى أن الأجهزة الطبية الجديدة التي أُدخلت إلى المستشفى لا تُستخدم بفعالية نظرًا لعدم توفر الطاقم الطبي المدرب على تشغيلها.
الحقوقيون ينتقدون تصريحات الوزير ويطالبون بإصلاحات عاجلة
أكدت الناشطة الحقوقية أمل محمود أن تصريحات الوزير تتناقض مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان. وأوضحت أن الحق في العلاج هو حق دستوري يجب أن يُحترم ويُضمن لكل مواطن.
وقالت: “لا يجب أن يُطلب من المرضى توجيه الشكر على خدمات يُفترض أنها حق لهم”. وأضافت أن هذه التصريحات قد تساهم في تكريس ثقافة التقليل من شأن المرضى وتعزيز المعاملة السيئة لهم داخل المستشفيات الحكومية.
الخبراء الاقتصاديون: التحديات المالية ليست عذرًا للإهمال
أوضح الخبير الاقتصادي عصام عبدالحليم أن وزارة الصحة تواجه تحديات مالية كبيرة، لكن هذا لا يجب أن يكون عذرًا للتقليل من شأن الرعاية الصحية المقدمة للمواطنين.
وأضاف: “نعم، هناك أزمة في الموارد، ولكن الحل يجب أن يكون من خلال تحسين إدارة الموارد المتاحة، وليس من خلال تجاهل احتياجات المرضى”. وأشار إلى أن تخصيص مزيد من الأموال لتحسين الرعاية الصحية يجب أن يكون أولوية للحكومة.
هل توجد حلول قريبة؟
أشار الدكتور أشرف عبدالعظيم، أستاذ الصحة العامة، إلى أن تحسين أوضاع الرعاية الصحية في مصر يتطلب إصلاحات هيكلية شاملة.
وأوضح أن بناء المستشفيات وتجهيزها بأحدث المعدات ليس كافيًا إذا لم يُصاحب ذلك تحسين في إدارة المستشفيات وتدريب الطاقم الطبي.
وأكد أن الحكومة بحاجة إلى وضع خطط استراتيجية طويلة الأمد لضمان تقديم الرعاية الصحية بجودة عالية وبأسلوب يحترم كرامة المرضى.
آراء أخرى: المواطنون يطالبون بالمزيد من التحسينات
أشارت المواطنة نادية محمد، وهي إحدى قريبات أحد المرضى، إلى أن زيارات المسؤولين للمستشفيات غالبًا ما تكون “مجرد استعراض إعلامي”. وقالت: “لم نرَ أي تحسينات حقيقية على أرض الواقع.
ما زال المرضى يعانون من نفس المشكلات، ولا أحد يستمع لشكاوينا”. وأكدت أن عائلات المرضى تشعر بالعجز أمام الوضع الراهن، مطالبة باتخاذ خطوات جادة لحل هذه المشكلات.
الأطباء الشباب يطالبون بالدعم والتدريب
أكد الطبيب المقيم محمد عبدالعزيز، أحد الأطباء الجدد في إحدي المستشفيات العامة، أن الأطباء الشباب بحاجة إلى مزيد من الدعم والتدريب للتعامل مع الأعداد الكبيرة من المرضى.
وأضاف: “نحن نحاول بذل جهدنا، لكن العدد الكبير من المرضى والنقص في الكوادر يجعل من الصعب تقديم الرعاية المثلى”. وأشار إلى أن تحسين الظروف سيؤدي إلى تقليل الضغط على الأطباء والمرضى على حد سواء.
أزمة مستمرة بانتظار الحلول
يبقى السؤال مطروحًا: هل ستقوم وزارة الصحة باتخاذ خطوات جدية لحل مشكلات الرعاية الصحية في المنيا، أم أن الأزمة ستبقى مجرد جدل إعلامي سرعان ما يُنسى؟