مدونة أخبار الغد

عمر الفطايري يكتب: لام شمسية.. في قلب الدراما والوجع قصة عن الجروح التي لا نريد أن نراها


منذ اللحظة الأولى التي طُرح فيها لام شمسية على شاشات التلفاز، كان السؤال يراودنا جميعًا: هل نحن مستعدون لمواجهة ما يعرضه هذا المسلسل؟ هل نحن على استعداد لنفتح الجروح التي طالما تجنبنا الحديث عنها؟ المسلسل لم يكن مجرد عمل درامي آخر.
المسلسل دعوة جريئة للمواجهة، لفتح ملفات مؤلمة في المجتمع العربي وتقديمها على الشاشة دون تزيين أو تبرير. “لام شمسية” يأتي ليكسر الصمت ويكشف ما تحت السطح، موضّحًا أن هناك أمورًا يجب أن تُقال، حتى وإن كان ذلك يعني مواجهة الحقيقة التي نخشى جميعًا أن نتطرق إليها.
منذ اللحظة الأولي، الجدل قد بدأ موضوع التحرش الجنسي بالأطفال.(Pedophilia)، الذي يرفض المجتمع العربي غالبًا حتى الاعتراف بوجوده، كان هو الميدان الذي اختار لام شمسية أن يخوضه الكثيرون خافوا من الخوض في مثل هذه القضايا، معتبرين أنها مواضيع “محرمة” دراميًا، وأن النقاش حولها قد يسبب ضجة لا نعرف كيف نواجهها إلا أن لام شمسية جاء ليغير هذه القناعة ويثبت أن الدراما ليست مجرد ترفيه، بل أداة حيوية للكشف عن الحقيقة.
الرائعة أمينة خليل التي نعرفها بقدرتها على تقديم أدوار تحمل عمقًا إنسانيًا كبيرًا، تقدم في لام شمسية شخصية نيلّي، الزوجة والأم التي تحاول بناء عالمها الخاص وسط التحديات اليومية لكنها فجأة تجد نفسها في مواجهة مع واقع لا تستطيع الهروب منه قصة نيلّي، التي تبدأ سعيدة في منزلها مع زوجها طارق وابن زوجها يوسف، تتحول إلى مأساة بعدما تقع حادثة مروعة بين يوسف وأستاذه وسام. هذا الحدث، الذي يبدو للوهلة الأولى مجرد سوء تفاهم، يفتح أبوابًا من الشكوك والمخاوف التي كانت مغلقة. نيلّي، بكل حبها وحرصها على حماية أسرتها، تبدأ في البحث عن الحقيقة، وتكتشف ما لا يمكن أن تصدقه.
وهنا، تكمن قوة المسلسل في تقديمه لهذه القضايا من دون أن يلوِّنها. المسلسل ليس مجرد سرد للأحداث، بل هو رحلة داخل عقول الشخصيات وقلوبهم. هو تعبير عن الصراع الداخلي، عن التردد بين الحقيقة والشك، بين الفهم والتفسير. من خلال شخصية نيلّي، نعيش قلقها، شكوكها، وألمها. نرى كيف أن الأم الحريصة على أبنائها قد تجد نفسها في مواجهة مع أكبر مخاوفها، وكيف أن هذا الصراع يمكن أن يفتح أبوابًا أخرى من الألم والشكوك التي كانت مُخبأة في الظلال.
لا يقتصر المسلسل على السرد التقليدي للمواقف، بل يعتمد على الأدوات البصرية بشكل ذكي ليجعلنا نغرق في هذه التجربة مع كل حركة، مع كل نظرة، مع كل لحظة صمت، نبدأ في فهم أن هناك أمورًا لا تُقال بالكلمات، بل تُنطق بالإشارات والهمسات.
المخرج كريم الشناوي ، الذي تعاون سابقًا مع أمينة خليل في مسلسلات ناجحة مثل “خلّي بالك من زيزي” و”الهرشة السابعة”، يستخدم الكاميرا بشكل رائع ليمنحنا فرصة التوغل في أعماق الشخصيات. عبر الكاميرا، نكتشف تفاصيل صغيرة من حياة الشخصيات لا يمكن أن ترويها الكلمات وحدها تلك التفاصيل التي تجعلنا نتساءل: هل كنا نحن أيضًا نعيش في هذا الصمت؟
لام شمسية هو سؤال عميق حول مجتمعنا الذي يختار أن يسكت عن الجرائم التي تحدث تحت أسطح البيوت، في المدارس، وفي الأماكن التي يفترض أن تكون آمنة للأطفال كيف يمكننا أن نتعامل مع هذا الظلم المستمر في صمت؟ وكيف يمكننا أن نكسر هذا الصمت؟
العنوان نفسه، اللام الشمسية، يحمل في طياته استعارة عظيمة هناك أشياء لا نريد أن نذكرها، هناك مواضيع نفضل أن نبقيها مخفية، لكن الشمس، كما نعلم جميعًا، لا تُخفي ما تحتها، وذات يوم ستشرق لتكشف كل شيء الـ( سي إس آي ) هو إحدى تلك القضايا التي لا يمكن أن تبقى في الظل إلى الأبد في المسلسل، كما في الحياة، هناك شمس يجب أن تشرق لتكشف ما لم نرغب في رؤيته.
ومع مرور الحلقات، نجد أنفسنا أمام رحلة نفسية عميقة، لجميع الشخصيات نرى كيف أن كل واحد منهم يحمل في قلبه جروحًا لم تلتئم، وكيف أن هذه الجروح لا تقتصر على المظاهر، بل تمتد إلى أعماقهم النفسية ونحن، كمشاهدين، نعيش مع كل شخصية في صراعها، نشاركهم الألم، والحيرة، والحاجة إلى الفهم.
وفي النهاية، يبقى لام شمسية أكثر من مجرد مسلسل درامي هو مرآة لمجتمعٍ يحمل في طياته الكثير من الأسرار المظلمة، وفي نفس الوقت دعوة للشجاعة. الشجاعة لمواجهة الحقائق، والشجاعة لتغيير ما هو خاطئ. هو عمل فني يعبر عن واقعنا، لكنه أيضًا يبث الأمل في إمكانية التغيير. عندما نواجه الحقيقة، نبدأ في الشفاء. لام شمسية هو دعوة لتلك اللحظة التي نجرؤ فيها على قول ما يجب أن يُقال، على الرغم من الخوف، في النهاية، شكرًا للكاتبة والمُؤلفة مريم نعوم

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى