العالم العربي

من العزلة إلى الوحدة..كيف يسعى لوبي اينيبل ENABLE لتوحيد المصريين في المهجر؟

د.سامح مسلم

رغم نجاحه الباهر كطبيب وأستاذ جامعي وعالِم مخترع في الولايات المتحدة الأمريكية، كان الدكتور سامح مسلَّم (Sameh Mesallum, MD) يشعر بنوع من الغربة والعزلة.

فهو يعيش كفرد من الجالية المصرية في بوسطن بولاية ماساتشوستس، حيث يشغل منصب أستاذ مساعد في كلية الطب بجامعة تافتس، وقد حقق إنجازات علمية مهمة (منها ابتكارات طبية مسجلة ببراءات اختراع).

ومع ذلك، افتقد دكتور سامح شعور الانتماء إلى شبكة تجمع أفراد الجالية المصرية كما هو الحال لدى بعض الجاليات الأخرى. هذا الشعور شكل لديه دافعًا قويًا للتحرك وإطلاق مبادرة فريدة من نوعها تحت اسم «ENABLE Lobby» بهدف تمكين صوت المصريين في المهجر وجمع شملهم في كيان موحّد ذي تأثير إيجابي لوطنهم الأم.

نجاح الجالية اليهودية بأمريكا نموذجًا ملهمًا

لم يكن إحساس الدكتور سامح مسلَّم بالعزلة في المهجر بمعزل عن قراءة للتاريخ والجاليات الأخرى. فهو يقارن حال الجالية المصرية في الخارج بتاريخ الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، تلك الجالية التي عانت سابقًا من التمييز والاغتراب لكنها استطاعت على مدى عقود تأسيس شبكة قوية ومترابطة من اللوبيات والمؤسسات التعليمية والاقتصادية التي خدمت مصالحها ورسّخت هويتها.

على سبيل المثال، نجح اليهود الأمريكيون في إنشاء كيانات ضغط سياسي فاعلة مثل لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك AIPAC) والتي تعتبر منذ زمن طويل واحدة من أقوى جماعات النفوذ في واشنطن . هذه القوة لم تأت بين ليلة وضحاها؛ بل بنيت عبر توحيد الصفوف والاستثمار المنظم في التعليم والاقتصاد والسياسة رغم كل التحديات التاريخية.

في المقابل، ظلت الجالية المصرية في الولايات المتحدة وغيرها مجرد تجمعات فردية متفرقة تفتقر إلى كيان موحّد أو لوبي منظم يُعبّر عن مصالحها ويجمع طاقاتها. ورغم انتشار الملايين من المصريين حول العالم – إذ يُقدَّر عدد المصريين بالخارج بحوالي 14 مليون مغترب يمثّلون قوة ناعمة هائلة لو تم تفعيلها – إلا أن صوتهم ظل ضعيفًا منفردًا لا يرقى لمستوى التأثير الذي يمكن تحقيقه عبر الوحدة والتنظيم. هذا الواقع أبرز ضرورة التحرك نحو بناء لوبي مصري عالمي يحاكي نماذج النجاح تلك ويحول التشتت إلى قوة فاعلة.

رؤية «ENABLE Lobby»: توحيد الجاليات المصرية عالميًا

أدرك د. سامح مسلَّم أن الحل يكمن في إيجاد إطار يجمع شتات المصريين في الخارج ضمن شبكة واحدة تتحدث بصوت واحد. هكذا ولدت فكرة مشروع ENABLE Lobby، وهي رؤية طموحة لخلق لوبي مدني عالمي يمثل المصريين حول العالم ويدافع عن مصالح وطنهم الأم.

يسعى هذا المشروع إلى توحيد الجاليات المصرية في المهجر – لا سيما في الولايات المتحدة وتركيا وبريطانيا (لندن) وقطر وعموم أوروبا ودول الخليج – تحت مظلة واحدة بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو اختلاف مناطق إقامتهم. والهدف هو إنشاء شبكة مدنية وسياسية واقتصادية ذات صوت موحّد، يمكنها التأثير الإيجابي في صنع القرار أينما وُجد المصريون، والمساهمة في دعم مصر على مختلف الأصعدة.

ضمن رؤية ENABLE Lobby هناك عدة محاور أساسية يطمح القائمون عليه لتحقيقها بشكل عملي وملموس:

  • توحيد الجاليات المصرية: إنشاء شبكة عالمية تربط المصريين في الخارج بعضهم ببعض، وتعزز التعاون بينهم في كافة بلدان المهجر، ليعملوا كجسم واحد متكاتف.
  • صوت سياسي موحَّد: تكوين لوبي مدني قوي يُمثل مصالح المصريين بالخارج، ينقل تطلعاتهم وهمومهم إلى دوائر صنع القرار الدوليّة، ويدافع عن قضايا الوطن في المحافل السياسية والإعلامية.
  • شراكات اقتصادية وتنموية: تحفيز أبناء الجاليات المصرية على الاستثمار في وطنهم ونقل خبراتهم العلمية والعملية إليه، وبناء جسور للتعاون الاقتصادي والتكنولوجي والتعليمي بين الخارج والداخل، بما يعود بالنفع على مصر وشعبها.

هذه المحاور تشكل معًا ملامح مشروع ENABLE Lobby الذي يطمح لأن يكون نموذجًا موازيًا ومنظمًا لدور المصريين في الخارج، يكمل الجهود الرسمية ويسهم في نهضة الوطن دون أي تعارض مع مصالح الدولة المصرية.

تمويل ذاتي وجسور مع المعارضة المصرية في الخارج

لم تبقَ رؤية ENABLE Lobby حبرًا على ورق، بل أخذها الدكتور سامح مسلَّم إلى حيز التنفيذ بخطوات عملية جريئة. فقد بادر بتأسيس المشروع بتمويل شخصي وصل إلى حوالي 60 ألف دولار أمريكي من موارده الخاصة إيمانًا منه بأهمية الفكرة واستقلاليتها. هذا الاستثمار الأولي وفّر قاعدة انطلاق للمشروع دون الارتهان لأي تمويل مشروط أو أجندات خارجية، مما يضمن أن قرار اللوبي وسياساته ستعكس حقًا إرادة أبناء الجالية المصرية ومصالح وطنهم.

بدأ د. سامح وفريقه بالفعل في مد جسور التواصل مع أطراف المعارضة المصرية في الخارج بمختلف توجهاتهم. فخلال الشهور الماضية، انطلقت اتصالات ومشاورات مع شخصيات وقوى معارِضة بارزة تتواجد في مراكز ثقل للجالية المصرية مثل تركيا ولندن.

هذه الخطوات التمهيدية هدفت إلى استقطاب دعم المعارضين المصريين في المهجر للمشروع، وفتح قنوات للحوار والتنسيق بينهم وبين ENABLE Lobby. فالتواصل مع رموز المعارضة المصرية الخارجية يعني ضم خبراتهم ورؤاهم تحت مظلة اللوبي الجديد، بما يعزز من زخم المشروع وقدرته على الوصول إلى مختلف أطياف المصريين المغتربين. ومن المتوقع أن تتسع دائرة الاتصالات لتشمل تجمعات المصريين في أوروبا وأمريكا الشمالية والخليج، لضمان تمثيل شامل لكافة الأصوات والتيارات ضمن هذا الكيان الجامع.

د. أيمن نور كجسر لتوحيد الصفوف

يبرز في هذا السياق دور محوري للدكتور أيمن نور في دعم وتمكين مشروع ENABLE Lobby وربط أواصره بمختلف قوى المعارضة المصرية. والدكتور أيمن نور شخصية ليست بالغريبة عن المشهد السياسي المصري؛ فهو معارض سياسي بارز ورئيس حزب غد الثورة الليبرالي، ويقيم في تركيا حيث أسس هناك منصة إعلامية مؤثرة متمثلة بقناة “الشرق” الفضائية. هذه المنصة تستقطب شريحة واسعة من المصريين داخل مصر وخارجها.

إن وجود شخصيات بثقل دكتور أيمن نور ضمن الداعمين للمشروع يمثل جسرًا حيويًا لربط المعارضة المصرية في الخارج بالمبادرة الجديدة. فمن خلال شبكة العلاقات الواسعة لبعض المصريين المؤثرين في الخارج وقدرتهم على التواصل مع مختلف ألوان الطيف السياسي المصري المعارض، يستطيعون المساهمة في حشد الطاقات وتوحيد الصفوف تحت لواء ENABLE Lobby.

كما أن منابر إعلامية حرة مثال قناة الشرق ومنصات الإعلاميين المصريين المشاهير على يوتيوب ومنصات التواصل الاجتماعي يمكن ان توفر مساحة للتعريف بالمشروع وأهدافه وإيصال رسالته التحفيزية إلى جمهور أوسع من المصريين حول العالم.

باختصار، يمثل السياسيين المصريين في الخارج حلقات وصل استراتيجية بين رؤية د. سامح مسلَّم وبين قادة الرأي والمعارضة في المهجر، الأمر الذي يعزز فرص نجاح هذا اللوبي المصري الوليد ويدعم انتشاره وانتقاله من الفكرة إلى التأثير الملموس.

دعوة للتكاتف وبناء نموذج مدني داعم لمستقبل مصر

تأتي مبادرة ENABLE Lobby اليوم كدعوة ملهمة لكل مصري ومصرية في الخارج من أجل الانتقال من حالة العمل الفردي إلى التأثير الجماعي المنظم.

إنها دعوة للمّ الشمل واستثمار طاقات ونجاحات أبناء الوطن في المهجر لبناء مستقبل أفضل لبلدهم الأم. يسعى هذا المشروع إلى بناء نموذج مدني موازٍ يدعم مصر عبر الخبرات والموارد التي يملكها المصريون حول العالم، على أن يتم ذلك دون أي صدام مع الدولة، بل ضمن إطار شراكة اقتصادية وحضارية بنّاءة. فالمقصود ليس تشكيل كيان معارض بالمفهوم السلبي، وإنما إنشاء منصة تجمع خيرة العقول والكفاءات المصرية عالميًا لتكون رديفًا وداعمًا لمسيرة التنمية والإصلاح في الوطن.

إن هذه الرؤية تحمل في طياتها قدرًا كبيرًا من الأمل والطاقة الإيجابية. فبدلًا من أن يبقى المصريون المغتربون مجرد مراقبين عن بعد أو أصواتًا متناثرة هنا وهناك، يتيح ENABLE Lobby فرصة تاريخية لهم لكي يتحدوا ويتكلموا بصوت واحد قوي يُسمِع العالم أجمع تطلعات المصريين.

ومن خلال هذا التكامل بين الداخل والخارج، يمكن أن يصبح للمصريين المغتربين دورٌ مؤثرٌ في نهضة بلادهم، عبر الدعم المعنوي والمادي ونقل المعرفة والتجارب الناجحة. إنها باختصار رسالة أمل بأن مستقبل مصر يمكن أن يكون أكثر إشراقًا بتكاتف أبنائها في كل مكان، وبأن الجالية المصرية حول العالم كنزٌ ثمين إذا ما توحدت جهودها وعمل أفرادها كفريق واحد من أجل الوطن. وختامًا، يفتح ENABLE Lobby ذراعيه لكل مصري مؤمن بوطنه وراغب في خدمته ليكون جزءًا من هذه الملحمة المدنية الحضارية؛ فالمستقبل يُصنع اليوم بوحدة الصف والإرادة، ومصر تستحق منا جميعًا هذا العطاء وهذا الإصلاح.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى