
تعد الحكاية الشعبية التي تقول “ما جاء من ثدي رمانة ضاع في مؤخرة مرجانة” أكثر من مجرد قصة هزلية أو مثل يتناقله الناس؛
فإن المثل الشعبي “ما جاء من ثدي رمانة ضاع في مؤخرة مرجانة” ليس مجرد تعبير هزلي أو قصة مسلية تتناقلها الأجيال، بل يحمل في طياته معانٍ عميقة تتعلق بالفساد، سوء استخدام السلطة واستغلال المنصب لتحقيق مصالح شخصية على حساب الآخرين والعاقبة الحتمية لكل من يغتر بموقعه وينتهك الحدود الأخلاقية.
إن هذه الحكاية تلخص ببساطة كيف يتحول استغلال النفوذ إلى دوامة من الفساد التي تلتهم كل شيء في طريقها، ولا تترك وراءها سوى الخسائر والمآسي.
تبدأ الحكاية عندما تتعرض “رمانة”، وهي ابنة شيخ القبيلة، للدغ عقرب في ثديها .. هنا يظهر “الحكيم” كرمز للقوة والسلطة العلمية، فيقرر أن العلاج الوحيد المتاح هو شفط السم.
رغم اعتراض الشيخ ومحاولته إيجاد حلول بديلة، يجد نفسه مجبرًا على قبول قرار الحكيم، خوفًا على حياة ابنته.
هذه اللحظة تعد بداية الاستغلال، حيث يستغل الحكيم موقعه ليس فقط لعلاج رمانة، بل لتحقيق مآرب شخصية تخدم رغباته.
تتحول القصة بعد ذلك لتكشف كيف أن الفساد لا يتوقف عند حد معين، بل يستمر وينمو حتى يصبح مشهدًا عبثيًا لا يخلو من السخرية.
فعندما تتعرض مرجانة، المرأة العجوز ذات الجسد الثقيل، للدغ العقرب هي الأخرى، يجد الحكيم نفسه مجبرًا على تكرار نفس العلاج.
ولكن هذه المرة، يكون الأمر مختلفًا؛ الحكيم مكره، والظروف باتت أسوأ. هنا تتجلى رمزية أن الفساد لا يعود فقط بالضرر على الضحايا، بل يمتد ليصيب الفاسدين أنفسهم، ويحولهم إلى أسرى لممارساتهم.
إذا نظرنا إلى هذا المثل من زاوية أوسع، فإنه يعكس حقيقة موجودة في العديد من المجتمعات: السلطة ليست دائمًا مصدرًا للخير والعدالة، بل يمكن أن تكون أداة استغلال إذا لم تُستخدم بحكمة وأمانة.
الحكيم الذي أساء استغلال سلطته في البداية، انتهى به المطاف ليجد نفسه مجبرًا على فعل ما كان يعتقد أنه مستحيل وغير مرغوب فيه .. هذا التصاعد في المأساة يعكس أن الفساد الذي يبدأ صغيرًا وسريًا، يتطور ليصبح أكثر وضوحًا وعلانية.
ما يثير الانتباه هو أن القصة تقدم درسًا بليغًا عن كيفية تعامل المجتمع مع السلطة والفساد .. فمن خلال هذه الحكاية، ندرك أن هناك حلقة من الفساد والتبعية المتبادلة التي لا تنتهي إلا إذا قرر المجتمع كسرها.
في بداية القصة، كان الحكيم يملك السيطرة المطلقة، وكان الشيخ مجبرًا على قبول رأيه، رغم معرفته بأن الحل المقترح ليس الأنسب.
ولكن في نهاية القصة، يصبح الحكيم هو المكره، ويجد نفسه مضطرًا لفعل ما لا يريده. وهنا يأتي التساؤل: إلى متى سنظل ندور في هذه الحلقة من الفساد واستغلال السلطة؟
إن المثل الشعبي “ما جاء من ثدي رمانة ضاع في مؤخرة مرجانة” يمكن أن يُقرأ على أنه تذكير قوي بأن العدالة حتمية، وأن من يستغل سلطته في تحقيق مكاسب شخصية على حساب الآخرين سيجد نفسه يومًا ما في موقف لا يحسد عليه.
الحكيم الذي استغل جسد رمانة لتحقيق رغباته وجد نفسه في النهاية مجبرًا على التعامل مع جسد مرجانة، العجوز القبيحة، في صورة تجعلنا نتأمل أن الفساد لا يأتي باللذة، بل بالعواقب الوخيمة.
حيث نجد أن الحكاية تسلط الضوء على واقع يتكرر في مختلف جوانب الحياة، ليس فقط في النظم السياسية والاقتصادية، بل حتى في العلاقات الشخصية والاجتماعية.
الفساد هو دائرة مغلقة، من يدخلها لن يجد مخرجًا إلا بعد أن يواجه عواقب أفعاله .. والسلطة ليست حقًا مطلقًا، بل مسؤولية عظيمة،
وأي شخص يتجاهل هذه المسؤولية سيجد نفسه في نهاية المطاف ضحية لفساد، ولكن الأهم هو أن نفهم أن هذا الضياع لم يكن حتميًا، بل كان نتيجة لسوء الاختيار واستغلال النفوذ.
القصة تثير تساؤلاً هامًا حول دور المسؤولين في المجتمع .. هل يُنظر إلى السلطة كوسيلة لتحقيق منافع عامة وخدمة الناس؟ أم أنها تُستخدم لتحقيق مصالح خاصة واستغلال الآخرين؟
القصة تجيب بوضوح على هذا التساؤل من خلال النهاية المؤلمة للحكيم .. في الواقع، نجد أن السلطة التي لا تُستخدم بشكل أخلاقي ومسؤول تتحول بسرعة إلى عبء على صاحبها وعلى المجتمع ككل.
فإن المثل “ما جاء من ثدي رمانة ضاع في مؤخرة مرجانة” يحمل في طياته رسالة قوية وعميقة لكل من يتولى السلطة أو يتحمل مسؤولية ما.
الفساد وسوء استخدام السلطة ليسا مجرد أخطاء يمكن التغاضي عنها؛ بل هما سلوكيات تؤدي إلى نتائج كارثية على الفرد والمجتمع.
الحكيم الذي استغل سلطته في البداية وجد نفسه في نهاية المطاف مجبرًا على مواجهة نتائج أفعاله. وهكذا، فإن كل من يستغل مقدرات الأمة ويهدر حقوق الشعب سيجد نفسه عاجلًا أم آجلًا يدفع ثمن فساده، حين يكون الوقت قد فات لإصلاح ما دمره.