
بين دولةٍ تتخبط في أزماتٍ طاحنة، وأخرى تزعم الاستقرار، تتجلى المفارقة الصارخة. أعلن لبنان، رغم كل التحديات، عن مواعيد الانتخابات البلدية في محافظاته، مؤمنًا بأن الإرادة الشعبية هي السبيل الوحيد للخروج من النفق المظلم.
أما مصر التي لم تعرف حربًا أهلية أو حصارًا، فتقف في موقفٍ محير. إذ تؤجل الانتخابات المحلية منذ ١٧ عامًا. جيلٌ كاملٌ نشأ دون أن يختبر حقه في اختيار ممثليه في المجالس المحلية.
تاريخيًا، كانت المحليات في مصر جزءًا أساسيًا من بنية الدولة، إذ يعود تاريخ أول انتخابات محلية إلى بدايات القرن العشرين. كانت المجالس المحلية تُعدّ منبرًا للمشاركة الشعبية، ومكانًا تُعبّر فيه المجتمعات المحلية عن همومها وتطلعاتها.
إن غياب المجالس المحلية يعني غياب الرقابة الشعبية والشفافية، ويُضعف من قدرة المواطنين على المشاركة في صنع القرار. فالمحليات هي المحرك الأساسي للتنمية المحلية، وهي المدرسة الأولى التي يتعلم فيها المواطن أسس الممارسة الديمقراطية.
ما الذي يمنع إحياء دور المحليات في مصر؟ إنها ليست رفاهية، بل ضرورة تُعزز الشفافية وتُقرّب السلطة من الشعب العار ليس في التأجيل، بل في أننا لم نعد نغضب أو نطالب.