
إذا كان هناك حقًا نية صادقة في إصلاح حال الدراما التي يقدمها الفن المصري في المسلسلات أو الأفلام السينمائية، في ضوء توجيهات السيد رئيس الجمهورية، والسيد رئيس الوزراء، أو دعوة الهيئة الوطنية للإعلام مؤخرًا لعقد مؤتمر يبحث في هذا الإصلاح،
فتلك بعض المشاهد لسيناريو مسلسل درامي تمثل نموذجًا واحدًا مما نعيشه في حياتنا اليومية من دراما واقعية وحقيقية، تعكس أحزان وآلام الناس في بلادنا.
لعل المسؤولين عن هذا الإصلاح يتحلون بقدر من الشجاعة والمصداقية في إنتاجها وعرضها تليفزيونيًا، ربما تتعاطف قلوبهم لرفع ظلم واقع على مظلومين أو الإفراج عن مسجونين.
المشهد الأول
محامٍ في منتصف العقد الخامس من العمر، يخرج من بيته متجهًا إلى محكمة الأسرة لإقامة دعوى نفقة لسيدة لديها ثلاثة أطفال في مراحل التعليم المختلفة، ضد زوجها الذي عجز عن الإنفاق عليهم بعد أن فُصِل من عمله في إحدى شركات القطاع العام التي بيعت لأحد المستثمرين بثمن بخس زهيد.
بعد شرائه للشركة، قام المستثمر بطرد العمال، وإغلاق أبوابها، وإيقاف نشاطها تمهيدًا لبيع أراضيها وممتلكاتها بثمن باهظ، ليزداد ثراءً.
ملاحظة: تظهر على الشاشة لقطات للمحامي أثناء عمله وسعيه في المحكمة للحصول على حكم النفقة لموكلته، بينما يظهر في الخلفية مبنى الشركة التي كان يعمل بها الزوج وقد عمها الخراب وصدأت ماكيناتها ومعداتها.
في لقطة أخرى، يظهر العمال المفصولون جالسين حول طاولة بأحد المقاهي الشعبية، بعضهم منكبٌّ على هاتفه المحمول يلعب الدومينو الافتراضية، والبعض الآخر يلعب الطاولة الواقعية.
المشهد الثاني
بعد مرور عام، وبعد أن تردد المحامي عشرات المرات بين محاكم مصر الجديدة والتجمع الخامس ومدينة نصر، إضافةً إلى عدة جهات شرطية وحكومية لإنهاء الإجراءات وحضور جلسات قضية النفقة، أصدرت المحكمة حكمًا يلزم الزوج بدفع مبلغ نفقة ضئيل قدره 1500 جنيه فقط!.
المشهد الثالث
بين المحكمة وبنك ناصر الاجتماعي، وبعد عدة إجراءات إدارية، يحصل المحامي على صورة الحكم التنفيذية، لكنه يفشل في العثور على أي أموال أو ممتلكات للزوج يمكن الحجز عليها.
فيتجه إلى بنك ناصر الاجتماعي لتنفيذ الحكم، وفقًا للقانون الذي يلزم البنك بصرف مبلغ النفقة للزوجة وأولادها في حال عجز الزوج عن دفعها، ثم يقوم البنك لاحقًا بملاحقة الزوج لاسترداد المبلغ.
المشهد الرابع
المحامي يقدم الحكم إلى الموظف المختص بتنفيذ الأحكام بالبنك، لكن الأخير يطلب منه تقديم قائمة بحوالي عشرة مستندات أخرى كشرط لتنفيذ الحكم.
كما يخطره بأن البنك لا يسمح بصرف أكثر من 500 جنيه فقط من قيمة النفقة المحكوم بها للزوجة وأولادها، وفقًا للتعليمات الحكومية المعمول بها في هذا الشأن!
المشهد الخامس
داخل مكتب المحامي ليلًا – تذهب السيدة صاحبة الحكم إلى المحامي برفقة أطفالها الثلاثة، وتسأله بلهفة عن المبلغ الذي تمكن من تحصيله لها. فيجيبها بأن الزوج ليس لديه أموال للحجز عليها، وأن عليها دفع رسوم إضافية لاستخراج المستندات التي طلبها البنك، ليتم صرف 500 جنيه فقط لا غير!
تمر لحظات من الصمت، بينما تتحول الكاميرا إلى وجوه الأطفال، الذين يلتفتون إلى شاشة التلفاز، حيث يُعرض مشهد من مسلسل يظهر فيه عدد من الفنانين جالسين حول حمام سباحة، وأمامهم مائدة طعام فاخرة في أحد المنتجعات.
تتخلل المسلسل إعلانات عن بيع وحدات سكنية في كمبوند فاخر، بني على أراضي الشركة التي كان يعمل بها والدهم!
ترتسم على وجوههم مشاعر الحزن، بينما تغرق الأم في البكاء، وهي تمسك بأيدي أطفالها وتخرج من مكتب المحامي دامعة العينين.
المشهد السادس
رجل عجوز كان ينتظر دوره في مكتب المحامي، بعد أن جاء من محافظة نائية إثر رحلة سفر مرهقة، يدخل لمقابلة المحامي متوكئًا على عصا، ليحكي له أن ابنه الوحيد اعتُقل قبل شهر، ولا يعلم أين هو الآن.
يسأله المحامي عن سبب القبض عليه، فيرد الرجل: “كتب ابني منشورًا على مواقع التواصل الاجتماعي ينتقد فيه القروض الخارجية التي تحصل عليها الحكومة، وبيع شركات القطاع العام، وتشريد عمالها، وإغلاق مصانعها.
كما كتب أنه قرر الاعتصام أمام مجلس النواب احتجاجًا على ذلك، لكنه عند قدوم الليل، اقتحمت قوة بوليسية منزلنا واعتقلته، ومنذ ذلك الحين لا نعلم عنه شيئًا!”
ملاحظة: تظهر في الخلفية مشاهد لزوجة الرجل العجوز، وهي طريحة الفراش في المستشفى، تدعو الله أن يُفرج عن ابنها أو يصدر بحقه عفو رئاسي.
المشهد السابع
المحامي يشرد بذهنه، متذكرًا السيدة وأطفالها الذين غادروا مكتبه قبل قليل. ثم يسأل الرجل العجوز فجأة:
“هل تستطيع توفير نفقات لزوجة ابنك وأطفاله أثناء حبسه؟!”
يبدو الذهول على وجه الرجل العجوز، ثم يمسك بأذنه ويجذبها للأمام قائلاً:
“هل تقصد نفقات أتعابك في قضية ابني؟!”
المشهد الأخير
المحامي يغلق شاشة التلفاز، ثم يودّع الرجل العجوز متمنيًا لزوجته الشفاء. بعدها، يجلس إلى مكتبه، يتناول ورقة وقلمًا، ويكتب:
نداء إلى السيد رئيس الجمهورية
تحية طيبة وبعد،
نلتمس من سيادتكم:
1. العفو عن سجناء الرأي والسياسة.
2. إعادة النظر في السياسات الاقتصادية التي أدت إلى معاناة الناس.
3. البدء في مصالحة وطنية شاملة، تداوي جراح المجتمع، وتنهي حالة الخصام، ليشارك جميع المصريين في تحمل المسؤولية واتخاذ القرار، من خلال تشكيل حكومة ائتلاف وطني تضم سياسيين يعرفهم الشعب، ويمثلون جميع أطيافه تمثيلًا حقيقيًا.
وتفضلوا بقبول فائق التقدير والاحترام.
(تتر النهاية مع صوت سعيد صالح يغني: “الناس فاكرنا وساكتين ليه؟ الناس بتلاقي العيش ازاي، الناس بتروح الشغل إزاي؟ الناس بيجيلهم نوم إزاي)
ملحوظة: جميع تلك الوقائع حقيقية بأسماء أشخاصها، والعمال المفصولين ومباني الشركة الخربة والمغلقة حتى.
المصدر : موقع “الحرية” الإليكتروني